كتاب

‏غزة والقوى الناعمة.. مع التحية لوزارة الثقافة

أُقيم مؤخَّرًا مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي للعام ٢٠٣٠م، وهو مهرجان أعلن عنه سموُّ وزير الثَّقافة الأمير بدر بن فرحان؛ كأحد أهمِّ برامج الوزارة. ويهدف إلى تشجيع فرص التَّبادل الثَّقافي بين المجتمعات العربيَّة، والمجتمع العالميِّ، وصُنع سوق أفلام نشط، يعزِّز حيويَّة المجتمع السعوديِّ، وفرص قويَّة لتنويع الاقتصاد في المملكة حسب رؤية ٢٠٣٠م.

وعادةً يُدْعَى إلى هذا المهرجان؛ صُنَّاع الأفلام من: مخرجين، ومنتجين، وممثِّلين، وممثِّلات وسيناريستس من كافَّة أنحاء العالم؛ لعرض أحدث الأفلام العربيَّة والعالميَّة، هذا فضلًا عن المسابقات التي تجري لأفضل عمل سينمائيٍّ.. خُطوات متسارعة تنتهجها وزارة الثَّقافة؛ لأنَّ الأفلام من القوى النَّاعمة التي يتحقَّق من خلالها ما قد لا تُحقِّقه مجالات أُخْرَى.


ومنذُ أكثر من شهرين، والمجتمع العالميُّ يعايش محنة أحداث غزَّة، وما يعانيه الشعبُ الفلسطينيُّ من هجمة بربريَّة من الكيان الصهيونيِّ الغاصب، الذي دمَّر أكثر من ٦٠٪ من قطاع غزَّة، وقتل ما يزيد عن (١٧٠٠٠ إنسان)، جُلُّهم من الأطفال والنساء.. وأهدافه ليس القضاء على حماس -كما يدَّعي-؛ لأنَّ «حماس» لازالت موجودةً، وتُجابه العدوان بكلِّ قوَّة، ولكن هدفها الأساس التَّهجير القسريُّ للشعب الفلسطينيِّ، وتحقيق حلمهم الكبير: «من النِّيل إلى الفُرات»، حيث تمَّ ترحيل مليون وثمانمئة ألف فلسطيني من الشمال إلى الجنوب!.

هذا السيناريو يجب أنْ ترصد له السِّينما أعمالًا فنيَّةً وثائقيَّةً إنسانيَّةً؛ لإيصال الحقائق للعالم.. وهي فرصةٌ في مثل هذا المهرجان العالميِّ، والالتقاء بخبراء في كلِّ المجالات، وإقامة ندواتٍ متنوِّعة. فبالرغم من سيطرة الصهيونيَّة العالميَّة على الآلة الإعلاميَّة الغربيَّة، وترديد أكاذيب قادة الصهاينة عن إجرام «حماس» وذبحهم للأطفال، واغتصابهم للنساء، بدون أيِّ أدلَّةٍ حقيقيَّة.. وما لاحظناه خلال هذه المحنة، أنَّ الإعلام، ومواقع التَّواصل قد تفوَّقت في نشر الحقائق على المستوى العالميِّ، وتغيير مفاهيم الشعوب الغربيَّة، التي غدت ترفضُ الانتهاكات لحقوق الإنسان من ذبحٍ، وتجويعٍ، وترويعٍ، وتشريدٍ للمدنيِّين في غزَّة، من خلال مظاهرات مندِّدة بتلك الهمجيَّة.


بل هناك ضرورة لأنْ تُرصد أفلام للجوانب الإنسانيَّة في عمليَّات تبادل الأسرى، ورصد سيناريوهات خاصَّة بقضايا الأسيرات الفلسطينيَّات مثل: إسراء الجعابيص، والتي أُحرقت سيارتها من قِبَل جنود صهاينة، وأُصيبت بحروقٍ بالغةٍ بُترت أصابعها على إثرها، وبقيت في السجن ثماني سنوات تعاني الألم والتَّعذيب. وميسون الجبالي، أقدم أسيرة فلسطينيَّة، والتي قالت: أريدُ أنْ أفرحَ، ولكنَّ الكيانَ الغاصبَ يمنعُ إظهارَ أيِّ فرحٍ؛ لأنَّ الفرحَ معناهُ النَّصر.. وهذا ما لا تريدُه إسرائيل!.. والأطفال الذين لم تتجاوز أعمار بعضهم ١٣- ١٤ سنةً، مثل أحمد وأيهم السلايمة، اللذين تمثَّلت جريمتهما في (رشق الحجارة)؛ للدفاع عن أرضهم ومنزلهم الذي دمَّرته إسرائيل، وامتلكه المستوطنُونَ.. لكلٍّ منهم قصَّةٌ وروايةٌ إنسانيَّةٌ، لابُدَّ أنْ تُرصد في ثيمات وسيناريوهات، لتظهر المعاناة الإنسانيَّة للفلسطينيِّين تحت إرهابيَّة إسرائيل.

وقد بدأت فعلًا بعضُ الدُّول العربيَّة في تناول القضايا من خلال القوى النَّاعمة، فهناك مسرحيَّة (هنا غزَّة)، للمؤلِّف أحمد إبراهيم في طرابلس، والتي ترصد معاناة أهالي غزَّة، وتُجسِّد مناظر الجُثث التي تراكمت تحت الأنقاض، دون السَّماح للدِّفاع المدنيِّ بالتحرُّك في المنطقة لانتشالها!!.

‏في الحروب، لابُدَّ أنْ تلعب القوى النَّاعمة دورها، فهي سلاح غير جديد، ففي التَّاريخ الإسلاميِّ كانت النِّساءُ تقف في الصفوف الخلفيَّة للجيش، وتقرع الطبولَ بأناشيدَ حماسيَّةٍ تلهب مشاعر المقاتلين، وتدفعهم للمضي نحو المعركة لنَيل النَّصر.

ولذلك، نأمل أنْ تتبنى وزارة الثقافة مسابقات ومعارض حول (غزة) في كافة أنواع الفن: الغناء - الرسم - التصوير - الأفلام - المسرحيات؛ لكي ترصد العمليات الإنسانية، وتبادل الأسرى، التي تظهِر التعامل بالحُسنى مع الأسرى والابتسامات، ولغة الجسد من الأسيرات، بل اعترافات صريحة من الإسرائيليات على حُسن التعامل. وعلى العكس تعامل إسرائيل الهمجي مع الأسيرات الفلسطينيات والتعذيب في السجون.

بل لابُدَّ أنْ تُظهِر القوى النَّاعمة محاكمة الدُّول التي تشارك في الحرب ضدَّ غزَّة في محكمةِ الجنايات الدوليَّة‏: أمريكا، وفرنسا، وبريطانيا.. فهي انتهاكات ضدَّ حقوق الإنسان، ولا تسقط بالتَّقادم.. بل لابُدَّ من التَّعويضات لأُسر الضحايا في غزَّة.. وحتَّى لا تقوم هوليوود -والتي يمتلك شركاتها كيانات صهيونيَّة- بتزييف الحقائق، وإظهار إسرائيل بأنها ضحية كما هي عادتها في تشويه الحقائق.. لعلَّ العالم يدرك أخيرًا مَن هُم الإرهابيُّونَ.

نعم.. نحتاجُ إلى إبداعٍ فنيٍّ لدعم غزَّة، كما في أغنية فيروز (سنقاوم): «الحقُّ سلاحي وسأقوم، أنا من فوقِ جراحي سأقوم،‏ بيتي هنا.. أرضي هنا.. أنا لن أستسلمَ وعليكِ بلادي لا أُساوم.. بحر - سهل - نهر - فكيف أُواجه النَّار وأُسالم.. سيرحلُونَ وسنبقي.. ونحن اليومَ أقوَى».

أخبار ذات صلة

حتى أنت يا بروتوس؟!
حراك شبابي ثقافي لافت.. وآخر خافت!
الأجيال السعودية.. من العصامية إلى التقنية الرقمية
فن الإقناع.. والتواصل الإنساني
;
عن الاحتراق الوظيفي!
سقطات الكلام.. وزلات اللسان
القطار.. في مدينة الجمال
يومان في باريس نجد
;
فن صناعة المحتوى الإعلامي
الإدارة بالثبات
أرقام الميزانية.. تثبت قوة الاقتصاد السعودي
ورود
;
حان دور (مؤتمر يالطا) جديد
الحضارة والتنمية
خط الجنوب وإجراء (مأمول)!
الشورى: مطالبة وباقي الاستجابة!!