كتاب

بيبــــــان

منزل عائلتنا كان في حارة الباب الغالية في مكة المكرمة، وربما يكون هذا أحد أسباب عشقي للأبواب.. وبالرغم أن الأبواب من أذكى وأجمل الاختراعات، إلا أننا لا نعطيها حقها من التأمل، فهي ليست مجرد فتحات لتيسير الدخول والخروج، بل هي أكثر من ذلك بكثير.. لو نظرت مثلاً في تصاميم المدن التاريخية، ستجد أن أهمها كانت تتميز بالأسوار، وجميع تلك الأسوار كانت تتميز بالبيبان.. ومن أهم الدلائل على ذلك؛ أنظر في بوابات القدس التاريخية.. كل منها تحكي حكايات غنية عن تاريخ المدينة.. بعضها تحمل ذكريات قسوة، مثل باب العامود في شمال القدس، وهو أكبر بواباتها.. وفي عالم البيبان، نجد بعض الخبايا: الخروج من العديد من الأماكن لا يمثل عكس عملية الدخول.. انظر مثلاً في بوابات المساجد، حيث تجد أن التوافد إلى المسجد للصلاة يعكس حركة مختلفة في وتيرتها وكثافتها؛ عن الخروج بعد الصلاة.. الدخول يكون عادةً بتدفق أقل من الخروج.. وذلك بسبب أن فترة الوصول بين الآذان وإقامة الصلاة أطول من فترة انتهاء الصلاة.

ولو أردت أن تبحث في روائع هندسة الأبواب، فمن النادر أن تجد ما يتفوق على أبواب الطائرات التجارية.. ولنبدأ بموضوع التنفس.. تصعد الطائرات لارتفاعات شاهقة لكي تتمتع بمميزات زيادة السرعة، وتوفير الوقود، والبعد عن الاضطرابات الجوية في الارتفاعات المنخفضة.. ولكن على تلك الارتفاعات - التي تصل إلى أكثر من عشرة كيلومترات فوق سطح البحر - لا يمكن للبشر أن يتنفسوا، ولذا فيتم تكييف ضغط الطائرة، وتحديداً يتم إقفال الفتحات الرئيسة في مقصورة الركاب، ونفخ المقصورة بالهواء المضغوط من مضخات تحركها محركات الطائرة، ثم يتم تكييف ذلك الهواء للحفاظ على مستوى ضغط هواء مريح للجميع.. وحيث إن أبواب الطائرة هي أكبر الفتحات في مقصورة الركاب، فيتم تصميمها لتُقفل بإحكام، ولفتحها تحتاج أن تُسحب إلى الداخل قبل أن تُدفع إلى الخارج.. وبسبب مستوى الضغط الهائل بداخل مقصورة الركاب أثناء الطيران، فسحب الباب إلى الداخل يحتاج إلى قوة هائلة، تعادل قوة رفع حوالى ست سيارات «لاند كروزر».. يعني خلال الطيران، من المستحيلات أن يستطيع شخص أو مجموعة أشخاص أن يسحبوا الباب إلى الداخل كخطوة أساسية لفتحه، بسبب ضغط الهواء الهائل على كامل مساحة الباب.. ولذا، فموضوع فتح أبواب الطائرات وهي في الجو يعتبر من المستحيلات.. ولكن في تاريخ 26 مايو 2023 على متن طائرة إيرباص تابعة لخطوط «إيسيانا» الكورية، قام أحد الركاب المختلين نفسياً بفتح أحد أبواب الطوارئ أثناء مرحلة الاقتراب من المطار على ارتفاع حوالى ألف قدم، وسرعة 300 كلم/ س، والحمد لله لم يُصَب أي من الركاب بإصابات خطيرة.. وخلال هذا الأسبوع انخلع أحد أبواب الطوارئ في طائرة جديدة من طراز «بوينج 737 ماكس 9» فوق ولاية «أوريجون» الأمريكية، على ارتفاع ستة عشر ألف قدم، والحمد لله لم يُصَب أي من الركاب.. وللعلم، تتطلب أنظمة ترخيص طائرات الركاب المدنية أن يخرج جميع الركاب من نصف مخارج أي طائرة خلال فترة تسعين ثانية فقط.. ولذا فتتوفر المخارج المتعددة، علماً بأن تصميم أبواب الطائرات هي من الأجمل هندسياً على الإطلاق، تأمَّل عملية فتح وغلق البيبان من المضيفات بكل يسر، علماً بأن قوة وأوزان تلك الأبواب هائلة.. وباختصار، فإن أبواب الطائرات مصممة لسلامة وأمان الركاب، فهي آمنة بإرادة الله.


* أمنيـــــة:

أتمنى أن نتذكر أن روائع الأبواب الهندسية، والجمالية، والمعنوية تستحق وقفات تأمُّل وإعجاب.. فهي في كل مكان وزمان تمثل إحدى أروع النعم الإبداعية، ولا ننسى أهم الأبواب، وهي أبواب الجنة والنار بلطف الله، وهو من وراء القصد.

أخبار ذات صلة

حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
الحُب والتربية النبوية
;
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح
كأس نادي الصقور.. ختامها مسك
;
المدينـة النائمـة
كتاب التمكين الصحي.. منهج للوعي
الإسلام.. الدِّيانة الأُولى في 2060م
ما لا يرضاه الغرب للعرب!
;
العمل الخيري الصحي.. في ظل رؤية 2030
القمة العربية الإسلامية.. قوة وحدة القرارات
يا صبر عدنان !!
احذروا البخور!!