كتاب

فلسطين بين حرب الإبادة.. وحلم السلام

‏شهد عام ٢٠٢٣ أحداثًا داميةً وكارثيَّةً ومدمِّرةً، ففي مطلع فبراير ضرب زلزال جنوب تركيا، وشمال سوريا، ثمَّ ضرب زلزال الحوز في المغرب الشقيق، ثم حادثة درنة في ليبيا، وضرب الإعصار دانيال لها، وقتل أكثر من ١٢ ألف شخص. وكل تلك الحوادث أدمت قلوبنا، ولكنَّ إيماننا بالله، وأنَّها قضاؤه وقدره، يجعلنا نرضى بما قسمه الله. ولكنْ أنْ يستمرَّ زلزالُ غزَّة من ٧ أكتوبر إلى الآن -حوالى أربعة أشهر- وتدمير مستمر طال الحجر والشَّجر والبشر، وقتل أكثر من 24000 إنسانٍ، لا ذنب لهم سوى احتلال أرضهم من الغاصبين اليهود، وبدعم من دُول استعماريَّة!، هذا ما لا يقبله عقلٌ ولا منطقٌ. ففي كلِّ يومٍ يمرُّ هو ألمٌ لنا كمسلمين، بل للإنسانيَّةِ أجمع، فالمظاهراتُ في كلِّ مكان ضدَّ حرب الإبادة الممنهجة، التي تمارسها إسرائيلُ.

‏ولأنَّنا في دولةٍ محوريَّةٍ في العلاقات العربيَّة والإسلاميَّة والدوليَّة، فقد دعت السعوديَّة إلى القمَّة العربيَّة الإسلاميَّة في الرِّياض، تأكيدًا للموقف العربيِّ الإسلاميِّ تجاه إدانة الممارسات الإسرائيليَّةِ ‏غير الشرعيَّةِ، التي قوَّضت فرصَ السَّلام في المنطقة، والتي كان من أهمِّ بنود بيانها الختاميِّ: «بدء تحقيق فوري في جرائم الحرب الإسرائيليَّة ضدَّ الشَّعبِ الفلسطينيِّ، ورفض التَّهجيرِ القسريِّ لسكَّان غزَّة».


‏ولكن يبدو أنَّ هذا العدوَّ الذي تمادَى في غطرسته وجرائمه، وتحدَّى كلَّ القرارات الدوليَّة لحقوق الإنسان، لنْ ينفعَ معه إلَّا رفعُ القضيَّة إلى محكمة العدل الدوليَّة، وهو ما قامت به جنوبُ إفريقيا، والتي لديها ذاكرةٌ جمعيَّة في معاناة العنصريَّة، وسطوة الاستعمار، حيث وقَّعت كلٌّ من جنوب إفريقيا وإسرائيل على اتفاقيَّة منع جريمة الإبادة الجماعيَّة، والمعاقبة عليها في عام 1948، والتي تلزم الدُّول الموقِّعة على منع حدوث جرائم إبادة جماعيَّة، ومعاقبة المتورِّطين في ارتكابها.

وكانت المحاكمةُ عادلةً، فخُصِّص يوم الخميس 11 /1 /2024 لمرافعة محامين من جنوب إفريقيا، وفي محاور مختلفة، وأثبتوا بالأدلَّة والصُّور أنَّ ما تقوم به إسرائيلُ من سلوكيَّات وأفعال تُثبت أنَّها حربُ إبادةٍ، فقادةُ إسرائيل وخطاباتهم للجُند ولشعبهم بالقتل لكلِّ فلسطينيٍّ، وتسليمهم للسَّلاح، ووصف جالانت بأنَّ الفلسطينيِّين حيواناتٌ بشريَّةٌ، وحثَّهم للجنودِ بقتلهم، وسياسة القصف الممنهج، والتَّجويع، ومنع الماء والكهرباء والوقود، وتدمير المستشفيات، وعشرات الآلاف من الجرحى، وأنَّ مَن سيموت منهم؛ لعدم وجود الدواء والعلاج، ربما يفوق عدد القتلى في الحرب، وانتشار الأوبئة والأمراض، والتي تُعرِّض حياتهم للخطر. كلُّ ذلك يؤكِّد بأنَّ الحربَ في غزَّة هي حربُ إبادةٍ بكلِّ معنى الكلمة. كما أنَّ نقضهم للعهود والمواثيق ظاهرٌ بطلبهم من سكَّان شمال غزَّة بالتوجُّه للجنوب، وعندما توجَّهوا للجنوب قاموا باستهدافهم وقتل النازحين؛ لإجبار الآخرين على النُّزوح إلى سيناء. فهذه الحرب ليست للقضاء على «حماس» كما تدَّعي إسرائيلُ، ولكنَّها حربُ إبادةٍ للفلسطينيِّين.


وقد خُصِّص يوم الجمعة 12 / 1 /2024م لمرافعة محامي إسرائيل، وهم يردِّدون ما يقوله قادتهم من مبرِّرات، وهي أوهى من خيوطِ العنكبوت؛ في أنَّ مِن حقِّ إسرائيل الدِّفاع عن نفسها، وأنَّ «حماس» هي التي هدَّدت عدَّة مرَّات بمسحِ إسرائيل!.

وحيث إنَّ المحكمة لم تُصدر بعد قراراتها، ولحين دراسة الحيثيَّات جميعها، طلبت جنوب إفريقيا من المحكمة، وجوب إصدار قرار بوقف العمليَّات العسكريَّة الإسرائيليَّة فورًا؛ بوصفها دولةً محتلَّةً. وأكَّدت على إلغاء الأوامر ذات الصِلَةِ، للقيود ومنع الإخلاء والتَّهجير القسريِّ للفلسطينيِّين من منازلهم، وحرمانهم من الوصول إلى الغذاء والماء الكافي، ومن الوصول إلى المساعدات الإنسانيَّة، بما في ذلك الوصول إلى الوقود، والمأوى، والملابس، والنَّظافة، والصحَّة، والمواد الطبيَّة، والمساعدات، ومنع تدمير حياة الفلسطينيِّين في غزَّة.

إنَّ إدانةَ إسرائيل بجريمة الإبادة، لابُدَّ أنْ ترافقها إدانةٌ للحكومة الأمريكيَّة الظَّالمة والدَّاعمة لإسرائيل، فهي التي تزوِّدها بالسَّلاح والعتاد، وتمرير المساعدات مؤخَّرًا، حتَّى دون مراجعة الكونجرس، بحجَّة أنَّها حالةُ طوارئ، فهي شريكةٌ في جرائم الإبادة بحجَّة الالتزام بأمنِ إسرائيل، ولابُدَّ من إلزامها بدفع التَّعويضات للأهالي، وإعادة إعمار غزَّة.

‏‏وهناك نقطةٌ أُخْرَى مهمَّة، وهي أنَّ الحرب خلَّفت المئات، أو ربما الآلاف من الأيتام، الذين أصبحوا لا عائل لهم، وحتمًا الدَّعم سيكون بلسمًا شافيًا من المنظَّمات الإغاثيَّة، وهذا ما قام -ويقومُ- به مركزُ الملك سلمان للإغاثة، الذي وفَّر جسرًا جويًّا، ومئات الآلاف من الأطنان من المواد الغذائيَّة، والخيام، والأدوية، وسيَّارات الإسعاف ضمن الحملة الشعبيَّة لإغاثة الشَّعبِ الفلسطينيِّ، وما نتمنَّاه على مستوى الدُّول العربيَّة والإسلاميَّة أنْ يكونَ هناك تنسيقٌ مع السُّلطة الفلسطينيَّة لرعاية الأيتام، وعمل كفالات لهم.

‏وفي وسط هذه الحرب الظَّالمة قامت قناة الـ»BBC» ببث تقرير: (نساء يصنعنَ السَّلام)، وهو فيلمٌ وثائقيٌّ عن صديقتين -(نوا) إسرائيليَّة، و(يارا) فلسطينيَّة-، وعمق العلاقة بينهما وبين والدتيهما، فأسَّسنَ جمعيَّة للسَّلام، وكانت لهُنَّ لقاءاتٌ وحفلاتٌ اجتماعيَّةٌ لإعطاء فرصة للسَّلام والتَّطبيع الاجتماعيِّ، وينتهي الفيلم بتشابك الأيدي، وترديد أغنية «اعطُوا فرصةً للسَّلام بالعربيِّ والعبريِّ». فهل يتحقَّق هذا الحلم، وتصدر محكمة العدل الدوليَّة قرارات تحفِّز على السَّلام، ويُطبَّق فيها قرارات منظَّمة الأمم المتَّحدة، ومنها حلُّ الدَّولتين لتحقيق السَّلام؟!.

أخبار ذات صلة

حتى أنت يا بروتوس؟!
حراك شبابي ثقافي لافت.. وآخر خافت!
الأجيال السعودية.. من العصامية إلى التقنية الرقمية
فن الإقناع.. والتواصل الإنساني
;
عن الاحتراق الوظيفي!
سقطات الكلام.. وزلات اللسان
القطار.. في مدينة الجمال
يومان في باريس نجد
;
فن صناعة المحتوى الإعلامي
الإدارة بالثبات
أرقام الميزانية.. تثبت قوة الاقتصاد السعودي
ورود
;
حان دور (مؤتمر يالطا) جديد
الحضارة والتنمية
خط الجنوب وإجراء (مأمول)!
الشورى: مطالبة وباقي الاستجابة!!