كتاب

الإشاعة وأثرها على الفرد والمجتمع

إنَّ الشَّائعاتِ أكثرُ ما تنطلقُ من أناسٍ قلَّ خوفُ اللهِ في قلوبِهم، ولا أدلُّ على ذلكَ ممَّا نشاهدُهُ حاليًّا في الفضاءِ الإلكترونيِّ، وما تلحقهُ من أذى للفردِ والمجتمعِ. وقد جاءَ في كتابِ اللهِ نماذجٌ للكثيرِ من الشَّائعاتِ التي تُخلُّ بالأمنِ، وتجلبُ الوَهنَ، وتُحقِّقُ مرادَ الأعداءِ في تركيعِ المؤمنِينَ، وكسْرِ شوكتِهم مِن ذلكَ: موسى -عليهِ السَّلامُ- يحملُ دعوةَ ربِّهِ إلى فرعونَ وملئِهِ وقومِهِ، فيملأُ فرعونُ سماءَ مصرَ، ويُسمِّمُ الأجواءَ بما يطلقُ عليهِ من شائعاتٍ فيقولُ: (إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ)، ويتَّهمهُ بالإفسادِ: (إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ).

في عهدِ النبيِّ وأصحابِهِ، ومن بعدهم، فخذُوا على سبيلِ المثالِ، حين أُشِيع بأنَّ مشركِي مكَّة قد أسلمُوا، رجعَ مَن رجعَ من المهاجرِينَ هجرة الحبشة الأولى، وقبلَ دخولِهم علمُوا أنَّ الخبرَ كذبٌ، فدخلَ منهم مَن دخلَ، وعادَ مَن عادَ، فأمَّا الَّذينَ دخلُوا فأصابَ بعضهم من عذابِ قريشٍ.


وفي معركةِ أُحد عندمَا أشاعَ الكُفَّارُ أنَّ الرسولَ قُتِلَ فَتَّ ذلكَ في عَضُدِ كثيرٍ من المسلمِينَ، حتَّى إنَّ بعضَهم ألقَى السِّلاحَ، وتركَ القِتالَ.

وفي حمراءِ الأسدِ بعدَ غزوةِ أُحد مباشرةً تأتي الشَّائعةُ: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ).


ومن أعظمِ الشَّائعاتِ الَّتي هَزَّت المجتمعَ الإسلاميَّ بأكملِهِ وجعلته يتأذَّى بنارِهَا شهرًا كاملًا. إنَّها شائعةُ الإفكِ الَّتي أطلقَهَا رأسُ النِّفاقِ عبدالله بن أُبيِّ بن سلول -لعنهَ اللهُ- فراجتْ وماجتْ في المجتمعِ المدنيِّ؛ فمنهُم مَن تلقَّاها بلسانِهِ، ومنهم مَن سكتَ، ومنهم مَن ردَّهَا وقالَ: (مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ).

ولَمَّا تُوفِّي النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- اشتغلَ الكفَّارُ والمنافقُونَ بإشاعةٍ، وهي كيفَ يموتُ النبيُّ؟! لو كانَ نَبِيًّا مَا ماتَ، ولردَّ عن نفسِهِ الموتَ، حتَّى خرجَ عمر بن الخطَّاب ومعه سيفُهُ يقولُ: مَن ادَّعى ذلكَ فسأقطعُ رأسَهُ.. واضطربَ النَّاسُ ولم يتحمَّلُوا الموقف، حتَّى خرجَ أبو بكر -رضي اللهُ عنهُ- وخطبَ خطبتَهُ فقال: (مَن كانَ يعبدُ محمدًا فإنَّ محمدًا قدْ ماتَ، ومَن كانَ يعبدُ اللهَ فإنَّ اللهَ حيٌّ لا يموتُ). جاءَ بالخبرِ اليقينِ، وتلَا قولَهُ تعالَى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ).

وبعدَ عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت الشائعة السبب الأول في قتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- تجمع أخلاطًا من المنافقين ودهماء النَّاس وجهلتهم، وأصبحت لهم شوكة، وقتل عثمان -رضي الله عنه- إثرها؛ بعد حصاره في بيته، وقطع الماء عنه، بل كان مِن آثار هذه الفتنة أنْ قامت حروب بين الصحابة الكرام، كمعركةِ الجمل، وصفين.

فمَن كانَ يتصوَّر أنَّ الإشاعةَ تفعلُ كلَّ هذَا؟!

أخبار ذات صلة

اللغة الشاعرة
مؤتمر الأردن.. دعماً لوحدة سوريا ومستقبلها
الجهات التنظيمية.. تدفع عجلة التنمية
الاستثمار في مدارس الحي
;
معرض جدة للكتاب.. حلَّة جديدة
«حركية الحرمين».. إخلاص وبرامج نوعية
دموع النهرين...!!
الجمال الهائل في #سياحة_حائل
;
عقيقة الكامخ في يوم العربيَّة
قُول المغربيَّة بعشرةٍ..!!
في رحاب اليوم العالمي للغة العربية
متحف للمهندس
;
وقت الضيافة من حق الضيوف!!
السرد بالتزييف.. باطل
عنف الأمثال وقناع الجَمال: قلق النقد ويقظة الناقد
مزايا مترو الرياض