كتاب

التغيرات الدراماتيكية في نظامنا التعليمي

في خبرٍ مثيرٍ نُشِرَ في صحيفةِ «المدينة»، بتاريخ 24 / 1/ 2024م يفيدُ بقرارِ وزارةِ التَّعليمِ: «تفويض الصلاحيَّاتِ لمديرِي المدارسِ، ومحاسبتِهم على النتائجِ المدرسيَّةِ ومستوياتِ الطُّلابِ، ‏في الاختباراتِ المحليَّةِ والدوليَّةِ والتحصيليَّةِ».

‏وحقيقةً، لم يكنْ ذلكَ الخبرُ سوَى رأسِ الجبلِ، وأمَّا عمقُ الجبلِ فهي خطواتٌ إجرائيَّةٌ قامتْ بها وزارةُ التَّعليمِ، ومنذُ منتصفِ الفصلِ الدراسيِّ الأوَّلِ للعامِ ١٤٤٥هـ عن طريقِ ذراعِهَا التنفيذيِّ: (هيئة تقويمِ التعليمِ والتدريبِ)، حيثُ اعتمدتْ معاييرَ نماذجَ التعليمِ المدمَّجِ، واعتبرتْ التَّعليمَ المدمَّجَ بكافَّةِ أشكالِهِ أساسًا في التعلُّم. ولعلَّ جائحةَ كورونا ومَا تطلَّبتهُ العمليَّةُ التعليميَّةُ من الدراسةِ عن بُعد، ونجاح منصَّةِ «مدرستي» -آنذاك- قدْ حفَّز خبراءَ التعليمِ على استحداثِ نماذجَ أُخْرى للتعليمِ المدمَّج، والذي عُرفَ على أنَّه: «نمطٌ تعليميٌّ قائمٌ على توظيفِ التقنيةِ وتكنولوجيا الاتِّصالِ والمعلوماتِ، والأنظمةِ والأدواتِ الرقميَّةِ المختلفةِ، من خلالِ الدمجِ بين التعليمِ الاعتياديِّ والتعليمِ الإلكترونيِّ»، ووضعتْ لهُ سبعةَ عشرَ نوعًا منها: نموذجُ الفصلِ المقلوبِ، ونموذجُ تدويرِ المحطاتِ الصفيُّ، ونموذجُ تدويرِ المعملِ، والنموذجُ الافتراضيُّ المكثَّفُ.. وغيرها.


وحقيقةً، كانَ لهذهِ التغيُّراتِ الكبيرةِ والمفاجأةِ؛ تأثيرٌ مُرْبِكٌ على كثيرٍ من جوانبِ العمليَّةِ التعليميَّةِ، منهَا ما لُوحظَ من التقاعدِ المبكرِ لآلافِ المعلِّمِينَ والمعلِّماتِ، بل مديري ومديراتِ المدارسِ؛ فالميدانُ ليسَ مهيَّأً بصورةٍ كافيةٍ لهذهِ التغييراتِ؛ لأنَّ كثيرًا من مديرِي ومديراتِ المدارسِ مستجدُّونَ في العملِ، ومعظمُهم لم يحصلْ على التدريبِ الكافِي على هذه الإجراءاتِ في الجوانبِ الإداريَّةِ، واختيارِ التشكيلاتِ المدرسيَّةِ، ومسألةِ المعلِّمين في جميعِ الجوانبِ، واتخاذِ الإجراءاتِ النظاميَّةِ المناسبةِ للبيئةِ المدرسيَّةِ والتعليميَّةِ، ومشكلاتِ الطلابِ والاختباراتِ وغيرها.. ولو افترضنَا جدلًا قدرةَ بعضِهم على ذلكَ.. أليسَ هناكَ ضغوطٌ كبيرةٌ على مديرِ المدرسةِ، وهي أعباءٌ ومسؤوليَّاتٌ كانتْ على إداراتِ التَّعليمِ؟!.

كما أنَّ العمليَّةَ التعليميَّةَ أيضًا تخضعُ لمتغيِّراتٍ أُخْرى منها: ذكاءُ الطُّلابِ، وخلفياتُهم الاجتماعيَّة، ومستوياتُهم التحصيليَّة، والحافزُ نحوَ التعلُّم. كما أنَّ هذِهِ النماذجَ من التعليمِ المدمَّجِ يحتاجُ إلى توفيرِ بيئاتٍ تعليميَّةٍ ذات معاييرَ عاليةٍ بمصادرِ التعليمِ الإلكترونيِّ. فهل قامتْ هيئةُ تقويمِ التعليمِ، أو شركةُ تطويرٍ بتوفيرِ هذهِ المصادرِ للتعليمِ المدمَّجِ، بحيث يحقِّق أهدافَهُ؟!، وواقعُ الحالِ يقولُ غيرَ ذلكَ، فبعضُ المدارسِ لا زالتْ مبانيَ مستأجرةً، ولا تتوفَّر فيها ‏أدنَى ‏مقوِّماتِ التعلُّم الإلكترونيِّ، وبالتَّالي فإنَّ مخرجاتِ التعلُّم ستكونُ محدودةً.. ويصعبُ مسألة مديرِي المدارسِ على نواتجِ تعلُّم لم تتوفَّر لهم المدخلاتُ الأساسيَّةُ للعمليَّةِ التعليميَّةِ!.


إنَّ كثيراً من المعلمين والمعلمات لم يحصلوا على التدريب الكافي على دمج التقنية في التعليم؛ مما ينعكسُ سلباً على جودة وكفاءة التعلم، وعلى نتائج طلابهم، وما يسببهُ ذلكَ من الإحباط، بالإضافة إلى ضغوطٍ أخرى كبيرة ناتجة عن مهنة التعليم، فهناكَ دراسةٌ في نقابةِ المعلِّمين في شيكاغو شملتْ أكثرَ من خمسةِ آلافِ معلِّمٍ، ووجدَ أنَّ 56% منهم، أفادَ بإصابتِهم بأمراضٍ جسميَّةٍ وعقليَّةٍ نتيجة ممارستِهم لمهنةِ التعليم؛ لأنَّها كثيرةُ الضغوطِ. فمَا بالنَا بالمدارسِ المستأجرةِ، وعدد ٢٤ حصَّةً أسبوعيًّا؟!.

‏كمَا أنَّ نموذجَ الإشرافِ المقترحِ بأنْ يكونَ هناك فريقٌ إشرافيٌّ في المدرسةِ يشرفُ على جميعِ الجوانبِ الإداريَّةِ والتعليميَّةِ؛ للارتقاءِ بمستوَى المدرسةِ.. حيثُ يُعدُّ تمكينُ المدرسةِ حجرَ الزَّاويةِ في النظامِ؛ وهنَا أتَّفقُ مع هذا الرَّأي، ولكنَّ اعتبارَ المشرفِ -حسب تعريفِ الوزارةِ- مَن تُسندُ لهُ أدوارُ الدعمِ والتحسينِ والتطويرِ، ويتعاملُ مع مكوِّناتِ المدرسةِ مستشارًا تعليميًّا.. فهلْ يستطيعُ المشرفُ هنا تقديمَ أيِّ استشاراتٍ في النواحِي الفنيَّةِ للمواد؟!، إذ يستحيلُ على مشرفِ اللُّغةِ الإنجليزيَّةِ -مثلًا- أنْ يقدِّمَ استشاراتٍ في العلومِ أو الرياضياتِ.. وهذِهِ تحتاجُ إلى مشرفٍ فنيٍّ متخصصٍ، وللأسفِ فإنَّ الإشرافَ الفنيَّ فَقَدَ دورَهُ؛ لأنَّ الاعتمادَ أصبحَ على تقويمِ مديرِ المدرسةِ، وهو غيرُ متخصصٍ، وكذلكَ على المعلِّمِ الخبيرِ، والذي يعتمدُ على اختبارِ الرخصةِ المهنيَّةِ من هيئةِ تقويمِ التعليمِ، وليسَ على المستوَى الفعليِّ للمعلِّمِ في إدارةِ الصفِّ، فقدْ يكونُ تصنيفهُ (خبيرًا) ولا يفقهُ في فنياتِ إدارةِ الصفِّ؛ هذَا فضلًا عمَّا يُسبِّبه ذلكَ من حزازياتٍ بين الخبيرِ وزملائِهِ. والإشرافُ الفنيُّ يتطلَّبُ رفع خطابٍ رسميٍّ لإدارةِ التعليمِ ووجود مبرراتٍ.. وهنا تدخلُ البيروقراطيَّة، ممَّا سيُؤثِّر سلبًا على مستوياتِ الطلابِ العلميَّة.. وحتَّى الزياراتِ بين المعلِّمين على مستوَى المدرسةِ، قد تكونُ غيرَ ذاتِ جدوَى إذَا لمْ يكنْ هناكَ -فعلًا- معلِّمٌ متميِّزٌ في أدائِهِ، وهنَا قد نحتاجُ للعودةِ للزياراتِ التبادليَّةِ بين المدارسِ.

كما أنَّ المستوَى التعليميَّ للمدرسةِ في بعضِ المدارسِ يُقاسُ على نتائجِ (نافس)، والتي يكونُ القياسُ فيها للعلومِ والرياضياتِ واللُّغةِ العربيَّةِ، مع أنَّ التحصيلَ العلميَّ الحقيقيَّ للطَّالبِ تكونُ على نسبتِهِ النهائيَّةِ في جميعِ المواد.

‏أظنُّ أنَّنا بحاجةٍ إلى التدرُّجِ في تطبيقِ النِّظام، وتوفيرِ مساعدِين لمديرِي المدارسِ في كلِّ جانبٍ من جوانبِ العمليَّةِ التعليميَّةِ؛ لنصلِ إلى تحقيقِ نواتجِ التعلُّم المطلوبةِ.. فالتعليمُ هو النواةُ الأساسيَّةُ لتخريجِ أجيالٍ تحقِّقُ رؤيتنَا الوطنيَّةَ ٢٠٣٠م.

أخبار ذات صلة

حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
الحُب والتربية النبوية
;
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح
كأس نادي الصقور.. ختامها مسك
;
المدينـة النائمـة
كتاب التمكين الصحي.. منهج للوعي
الإسلام.. الدِّيانة الأُولى في 2060م
ما لا يرضاه الغرب للعرب!
;
العمل الخيري الصحي.. في ظل رؤية 2030
القمة العربية الإسلامية.. قوة وحدة القرارات
يا صبر عدنان !!
احذروا البخور!!