كتاب

الشُخْشِيخَة..!!

فِي إحدَى الدُّولِ العربيَّةِ الشقيقةِ، دخلَ مُعمَّم قاعةً فسيحةً فيهَا مئاتٌ من النَّاسِ ينتظرُونَهُ بفارغِ الصَّبرِ، وعلى أحرِّ من نارِ الجمرِ، وحالمَا رأوهُ افتتنُوا بهِ وتهاوشُوا عليهِ، فمنهُم مَن لمسَهُ بيديِهِ تبرُّكًا بهِ، واعتبرُوا أنفسَهُم محظوظِينَ، ومنهُم مَن حاولَ لمسَهُ فلمْ يقدِرُوا، واعتبرُوا أنفسَهُم ضحيَّةً لحظِّهم العاثرِ!.

ثمَّ صعدَ المُعمَّم بسكينةٍ وخشوعٍ فوقَ منبرٍ خشبيٍّ مطليٍّ بلونِ الذَّهبِ، ويعلُو رؤوسَ النَّاسِ بثلاثةِ أمتارٍ على الأقلِّ، وبدأَ يبكِي ويحكِي لهُم ما حدثَ لهُ في الصَّحراءِ عندَ ذهابِهِ إليهَا ليلًا، للتأمُّلِ والاختلاءِ!.


فقالَ لَا فُضَّ فُوهُ:

وأنَا وسطَ كُثبانِ الصَّحراءِ والرِّمالِ النَّاعمةِ الصَّفراءِ، أتأمَّلُ نجومَ وكواكبَ الفضاءِ، وأختلِي بربِّ السَّماءِ، أردْتُ التحدُّثَ بالجوِّالِ، فأخرجتُهُ من جيبِي لأُفاجَأُ أنَّ درجةَ شحنِهِ صارتْ صِفرًا بعدَ أنْ كانتْ مئةً، ولَا أستطيعُ التَّحدُّثَ بهِ معَ أيِّ كائنٍ كانْ، فاستغثْتُ بفُلانٍ (ماتَ قبلَ مئاتِ السِّنينِ رضِيَ اللهُ عنهُ وأرضَاهُ) قائلًا لهُ: أغثنِي يا فُلانُ، أدركني يا فُلان، أنقذني يا فُلان، فما هي إلّا ثواني لأرَى درجةَ شحنِ جوالِي تتلألأُ وسطَ الظَّلامِ الدَّامسِ، وتُشيرُ إلى مئةٍ بالمئةِ، فتحدَّثْتُ بالجوَّال طويلًا وكثيرًا، ومعَ ذلكَ لم تنقصْ درجةُ شحنِهِ عن المئةِ، فيا لعظمةِ فُلانٍ!.


وهنَا ضجَّت القاعةُ بالصِّياحِ والسُّرورِ للرِّوايةِ، وربَّمَا ذهبَ بعضُ هؤلاءِ النَّاسِ بعدَهَا للصَّحراءِ لدعاءِ فُلانٍ كَي يشحنَ جوَّالاتِهم، وربَّما سيحتجُّ تُجَّارُ الشَّواحنِ للإفلاسِ الذي سيصيبُهم؛ بعدَ إقلاعِ الكثيرِ عن شراءِ الشَّواحنِ؛ لأنَّ الشَّحنَ سيجرِي لجوَّالاتِهم فقطْ بدعاءِ فُلانٍ، وانتهتْ الرِّوايةُ.. والإحصائياتُ تقولُ: إنَّ هذا البلد هو من أكبر الدول شراءً واستهلاكًا لشواحن الجوَّال، وما الرواية إلَّا أحد مسلسلات الكذب والضحك على الذقون، والاستخفاف والاستهزاء التي يمارسها بعض المعممين على الناس، الذين ـوهذا هو بيت القصيدـ يستحقون علاجهم من داء تصديق الخرافات، وإيمانهم بالمخلوق الميت دون الخالق الحي، وبالشِّركِ دونَ التَّوحيدِ، حتَّى أصبحُوا مثلَ (الشُخْشِيخَةِ) بينَ يدي تُجَّارِ البدعِ والطَّوائفِ والغلوِّ المُبينِ، ويا اللهُ أغثنَا وأدركنَا وأنقذنَا وأنتَ فقطْ: الواحدُ الأحدُ الفردُ الصَّمدُ!.

أخبار ذات صلة

اللغة الشاعرة
مؤتمر الأردن.. دعماً لوحدة سوريا ومستقبلها
الجهات التنظيمية.. تدفع عجلة التنمية
الاستثمار في مدارس الحي
;
معرض جدة للكتاب.. حلَّة جديدة
«حركية الحرمين».. إخلاص وبرامج نوعية
دموع النهرين...!!
الجمال الهائل في #سياحة_حائل
;
عقيقة الكامخ في يوم العربيَّة
قُول المغربيَّة بعشرةٍ..!!
في رحاب اليوم العالمي للغة العربية
متحف للمهندس
;
وقت الضيافة من حق الضيوف!!
السرد بالتزييف.. باطل
عنف الأمثال وقناع الجَمال: قلق النقد ويقظة الناقد
مزايا مترو الرياض