كتاب

فلسطين: ضباب يحجب الرؤية!

«الضَّبابُ» يغلِّفُ منطقةَ الشَّرقِ الأوسطِ، ويحجبُ حقيقةَ مَا يجرِي، عسكريًّا وسياسيًّا.. تعبيرُ «الضَّبابِ» استخدمهُ الكاتبُ المصريُّ محمد حسنين هيكل، حسب توجيهاتِ الرئيسِ أنور السادات، الذي كانَ العالمُ العربيُّ ينتظرُ منهُ -حينها- محاربةَ إسرائيلَ، التي حقَّقت عام 1967 نصرًا كبيرًا على مصرَ والدولِ العربيَّةِ المجاورةِ لهَا (سوريَا والأردن)، واحتلَّت سيناءَ وغزَّة، والضفَّة الغربيَّة التي كانتْ حتَّى قيامِ تلكَ الحربِ تحتَ السيطرةِ العربيَّةِ. وكانَ النَّاسُ ينتظرُونَ أنْ تعلنَ مصرُ الحربَ على إسرائيلَ ردًّا على هزيمتِهَا تلكَ، فكانَ هيكل يكتبُ عن موعدِ الحربِ ويقولُ: إنَّ الضَّبابَ يؤجِّلُ إشعالَهَا (قامت الحربُ عام 1973). لذَا هلْ نتوقَّعُ أنْ ينفجرَ قريبًا الوضعُ في منطقتِنَا أمامَ العنجهيَّةِ الإسرائيليَّةِ وحربِ الإبادةِ التي تمارسُهَا تجاهَ الفلسطينيِّينَ؟!.

عام 1973 كانَ أغلبُ المراقبِينَ لا يتوقَّعُون قيامَ حربٍ عربيَّةٍ إسرائيليَّةٍ. ولكنْ عندَمَا اشتعلتْ الحربُ عبرَ الجيشِ المصريِّ، وعبرُوا خطَ بارليف، الذِي كانَ الإسرائيليُّونَ يُصوِّرونَهُ إعلاميًّا، بأنَّه منيعٌ لنْ يتمكَّن المصريُّونَ من تجاوزِهِ، فكانَ أنْ حرَّرَ المصريُّونَ سيناءَ، وتبعَ ذلكَ حركةُ سلامٍ كبيرةٌ في المنطقةِ، وعودةُ الأراضِي المصريَّة.


هل يتمكَّن الفلسطينيُّونَ الذِينَ تخطُّوا محيطَ غزَّة، الذِي كانَ الإسرائيليُّونَ يقولُونَ إنَّه غلافٌ منيعٌ جدًّا، من تحقيقِ انتصارٍ سياسيٍّ مشابهٍ لمَا حقَّقهُ الرئيسُ المصريُّ الرَّاحلُ أنور السادات، ويُنشئونَ الدَّولةَ التِي تؤويهم بعيدًا عن السَّيطرةِ الإسرائيليَّةِ؟.

تساؤلٌ استدعَى «تشبيه» انتفاضةِ الأقصَى يوم 7 أكتوبر من العامِ الماضِي بحربِ 6 أكتوبر 1973. والجوابُ غيرُ متوفِّر، أو أنَّنا نرفضُ أنْ نراهُ، وندَّعي أنَّ «كثافةَ الضَّبابِ» تمنعنَا عن رؤيتِهِ.


المساعداتُ الإنسانيَّةُ (غذاء ودواء) تصلُ إلى غزَّة المحاصرةِ، بالجوِّ والبرِّ والبحرِ (الأخير يُقالُ إنَّه قادمٌ)، ولكنَّ هذهِ المساعداتِ محدودةٌ لا تُشبعُ الغزَّاويِّينَ من جوعٍ، ولا تحميهم من الأمراضِ. والممرُّ البحريُّ الذي تُبشِّرُ به أمريكَا ودولُ الغربِ هو حلمٌ إسرائيليٌّ قبلَ أنْ يكونَ فلسطينيًّا. حكومةُ اليمينِ الإسرائيليِّ تعتقدُ أنَّ المعبرَ البحريَّ ووصولَ السفنِ الضَّخمةِ قد يساعدُ علَى تهجيرِ مئاتِ الآلافِ من الغزَّاويِّين باتجاهِ أوروبَا، بعدَ أنْ أفشلتْ مصرُ جهودَ تهجيرِ أهالِي غزَّة إلى سيناءَ، والمشكلةُ الأكبرُ التي يعانِي منهَا القطاعُ، أنَّه لا توجدُ إدارةٌ مدنيةٌ تقومُ بتنظيمِ توزيعِ مواد الإغاثةِ، متى توفَّرتْ، بعدْ أنْ قامت إسرائيلُ بمنعِ وكالةِ (الأونروا) من توفيرِ الغطاءِ الأمميِّ الذي كانت المنظَّمةُ تتولَّاهُ في غزَّة، وفي مخيماتِ اللاجئِينَ الفلسطينيِّينَ لذلكَ الأمرِ.

الجميعُ، أمريكَا وإسرائيلُ وبريطانيَا وحماسُ وإيرانُ، بأذرعتِهَا، يلعبُون على حافةِ الهاويةِ. أمريكا تقولُ إنَّه يصعبُ عليهَا الضغطُ على إسرائيلَ لوقفِ عمليَّاتِ الإبادةِ، وتقومُ باللعبِ عبرَ التصريحاتِ والردودِ العسكريَّةِ غير الحاسمةِ على ما تتعرَّض لهُ. ولم تستطع «النكبةُ» الجديدةُ، والتي يقارنهَا البعضُ بنكبةِ 1948، في جمع الفلسطينيِّين على موقفٍ واحدٍ. ولا تجدُ مبادرةُ (حلَّ الدولتَينِ) تحتَ رعايةٍ أمميَّةٍ؛ مَن يتلقَّفها من القادةِ الفلسطينيِّينَ المؤثِّرينَ.

ويتفق الأمريكيون والأوروبيون والمعنيون العرب بأنَّ السلطة الفلسطينية بحاجة إلى إصلاح.. وتطوعت موسكو إلى دعوة الفلسطينيين، بما فيهم حماس والجهاد الإسلامي وفتح، إلى مائدة مستديرة بينهم في موسكو، للاتفاق على توحيد أنفسهم، وخرجوا بعد أيام، قائلين إنهم لم يتفقوا سوى على اللقاء مرة أخرى.. وبالطبع كان الفلسطيني العادي يموت بالعشرات في فلسطين.

لا أحد يعرف ما الشكل الذي يمكن أن تكون عليه السلطة الفلسطينية، حيث الاختلاف قائم على شكلها وعلى من يتولاها، ولا أعتقد أن هناك من يعرف متى وكيف سيكون وقف إطلاق النار، ومن هم الفلسطينيون الذين سيتولون إدارة غزة بعد ذلك.

نعم الضباب الشديد، يحجب الرؤية.. ما الذي سيحدث الآن.

أخبار ذات صلة

حتى أنت يا بروتوس؟!
حراك شبابي ثقافي لافت.. وآخر خافت!
الأجيال السعودية.. من العصامية إلى التقنية الرقمية
فن الإقناع.. والتواصل الإنساني
;
عن الاحتراق الوظيفي!
سقطات الكلام.. وزلات اللسان
القطار.. في مدينة الجمال
يومان في باريس نجد
;
فن صناعة المحتوى الإعلامي
الإدارة بالثبات
أرقام الميزانية.. تثبت قوة الاقتصاد السعودي
ورود
;
حان دور (مؤتمر يالطا) جديد
الحضارة والتنمية
خط الجنوب وإجراء (مأمول)!
الشورى: مطالبة وباقي الاستجابة!!