كتاب

انتقام أوباما من نتنياهو

لا أعتقدُ أنَّ الخلافَ النَّاشبَ بينَ الحزبِ الديمقراطيِّ الحاكمِ في أمريكَا، ورئيسِ الوزراءِ الإسرائيليِّ، بنيامين نتنياهو، ومجموعتهِ اليمينيَّةِ المتطرِّفةِ الحاكمةِ، سوف يُغيِّر من العلاقاتِ الوثيقةِ القائمةِ بين أمريكا وإسرائيل. رغمًا عن أنَّ الحملةَ المتبادلةَ بين الطَّرفين حادَّةٌ وجديدةٌ. حيث دعا زعيمُ الأغلبيَّة الديمقراطيَّة في مجلسِ الشيوخِ الأمريكيِّ، تشاك شومر، إلى إجراءِ انتخاباتٍ جديدةٍ في إسرائيلَ؛ لأنَّه يرى أنَّ رئيسَ الوزراءِ بنيامين نتنياهو يديرُ سياسةَ الدولةِ العبريَّةِ بشكلٍ يجعلهَا «منبوذةً» في ظلِّ الحربِ القائمةِ بغزَّة. ويعتبرُ شومر أكبر مسؤولٍ أمريكيٍّ يهوديٍّ، ويمثِّل نيويورك في مجلسِ الشيوخِ منذُ سنين طويلةٍ. وبالطبعِ ردَّ زعيمُ الجمهوريِّين في مجلسِ الشيوخِ، ميتش مكونيل، مدافعًا عن نتنياهو، معتبرًا تصريحَ شومر «من مظاهرِ النِّفاقِ»، كمَا ردَّ حزبُ الليكودِ الإسرائيليِّ، الذي يُمثِّله نتنياهو بالقولِ: «إنَّ إسرائيلَ ليستْ جمهوريَّةَ موزٍ». وهو بذلكَ يُذكِّرُ بالجمهوريَّاتِ في أمريكَا اللاتينيَّة التي كانتْ أجهزةُ المخابراتِ الأمريكيَّةِ، في السَّابقِ، تُسقطُ حكوماتِهَا الواحدة بعدَ الأُخْرى بانقلاباتٍ عسكريَّةٍ.

من المرجَّح أنَّ إدارةَ الرئيسِ الأمريكيِّ الأسبقِ، باراك أوباما، تردُّ على ما فعلهُ بها نتنياهو عام 2015 (في شهرِ مارس أيضًا)، حين ألقَى خطابًا أمامَ الكونجرسِ الأمريكيِّ بدونِ التَّنسيقِ مع باراك أوبامَا الذي كانَ رئيسًا حينهَا، وهاجمَ خطَّة باراك أوبامَا التقرُّب من إيران عبرَ ما قِيل إنَّه مقابلُ تخلِّيها عن برنامجِهَا النوويِّ. بينمَا كانَ نتنياهو (ولا يزالُ) يعتقدُ أنَّ سياسةَ أوباما تستهدفُ استخدامَ إيران في أجزاءٍ من مخطَّطها للشَّرقِ الأوسطِ محل إسرائيل. وتُعتبر إدارةُ الرئيسِ جو بايدن الحاليَّة امتدادًا لمرحلةِ رئاسةِ باراك أوباما، حيثُ كانَ بايدن، نائبًا للرئيسِ خلال الفترتين اللَّتين حكَم فيهمَا أوباما، كمَا أنَّ عددًا لا يُستهان به من كبارِ أعضاءِ إدارةِ بايدن كانُوا في إدارةِ أوباما.


من المنتظرِ أنْ تواصلَ الإدارةُ الأمريكيَّةُ سياساتِها المرسومةَ للشَّرقِ الأوسطِ، وهو ما يبدُو واضحًا من ردودِ أفعالِها تجاهَ الأعمالِ العدوانيَّةِ ضدهَا في المنطقةِ. ولكنَّ صبرَها تجاهَ مواقفِ بنيامين نتنياهو نَفَدَ، وكذلكَ تصرُّفاتِ مجموعتهِ الشديدة التطرُّف، وهي ترغبُ في رؤيةِ إدارةِ سياسيَّة جديدة لإسرائيل لا تعلنُ تحدِّيها لهَا بشكلٍ متواصلٍ، مثلمَا يفعلُ اليمينُ المتطرِّفُ الإسرائيليُّ، رغمًا عن أنَّ الانتقادَ الإسرائيليَّ للسياساتِ الأمريكيَّة ليسَ جديدًا في العلاقاتِ بين البلدين، بل هناك تاريخٌ من التململِ الإسرائيليِّ تجاهَ المواقفِ الأمريكيَّةِ، يتمُّ التعبيرُ عنه غالبًا بأساليبَ دبلوماسيَّة.

الطريقةُ التي تعالجُ بها الإدارةُ الأمريكيَّةُ (من الحزبِ الديمقراطيِّ) قضايا الشَّرق الأوسطِ تدل على رغبتِها في تقليصِ التزاماتِها الكثيرةِ تجاهَ إسرائيلَ، وتبنِّي سياساتٍ جديدةٍ، تُحقِّق أهدافَها بأقلِّ تكلفةٍ ماديَّةٍ أو معنويَّةٍ عليها. لذَا تسعَى إلى دعمِ استقلاليَّةِ دولِ المنطقةِ، شريطةَ عدم الإضرارِ بالمصالحِ الأمريكيَّة، وتجربةِ التعاونِ مع أطرافٍ أخرى في المنطقةِ، تعتبرُ حتَّى الآن في خصومةٍ معها، وتشجيعِ قيامِ تعاونٍ بين دولِ المنطقةِ في المجالِ الاقتصاديِّ، ولا تنزعجُ كثيرًا من تعاملِ دولِ المنطقةِ مع الصِّينِ في مجالاتٍ عدَّة، مع محاولتِهَا تقليصَ هذه العلاقاتِ. وتسعَى في الوقتِ نفسهِ إلى تطويرِ النظامِ العالميِّ الحاليِّ ليتماشَى ليسَ مع صعودِ الصينِ فقط، بلْ وبروز قوى اقتصاديَّةٍ هامَّةٍ في المنطقةِ، وخاصَّة المملكة العربيَّة السعوديَّة، حيث تنمُو الرياض لتصبحَ إحدَى أهمِّ العواصمِ العالميَّةِ اقتصاديًّا وتقنيًّا. وسنجدُ أنَّ النظامَ العالميَّ الجديدَ يُبنى بالتدريجِ، ويتطلَّب قيام أقطابٍ إقليميَّةٍ تضعُ أقدامَها على أرضِ هذا النِّظامِ.


وتعيشُ إسرائيلُ في قلقٍ واضحٍ حول دورها في كل ما يدور حولها من تحول كبير في المنطقة، ولن تتمكن من حجز مكان لها في المستقبل؛ ما لم تقبل ضرورة العيش ضمن محيطها بدون أوهام التفوق والتوسع.

أخبار ذات صلة

حتى أنت يا بروتوس؟!
حراك شبابي ثقافي لافت.. وآخر خافت!
الأجيال السعودية.. من العصامية إلى التقنية الرقمية
فن الإقناع.. والتواصل الإنساني
;
عن الاحتراق الوظيفي!
سقطات الكلام.. وزلات اللسان
القطار.. في مدينة الجمال
يومان في باريس نجد
;
فن صناعة المحتوى الإعلامي
الإدارة بالثبات
أرقام الميزانية.. تثبت قوة الاقتصاد السعودي
ورود
;
حان دور (مؤتمر يالطا) جديد
الحضارة والتنمية
خط الجنوب وإجراء (مأمول)!
الشورى: مطالبة وباقي الاستجابة!!