كتاب

قضايا العقل العربي الجمعي

اللهُ -سبحانَه وتعالَى- منحَ العقلَ البشريَّ قدراتٍ هائلةً تمكِّنه من القيامِ بعمليَّاتٍ فكريَّةٍ هائلةٍ في مختلفِ المجالاتِ الحياتيَّةِ وتجعلهُ يسبرُ أغوارَ الكونِ، ويحلِّلُ كافَّة العمليَّاتِ الحسابيَّةِ، ويستطيعُ الابتكارَ والاختراعَ وصنعَ المعجزاتِ التي تُسهمُ في النموِّ الحضاريِّ، لكنْ تبقَى هذهِ القدراتُ الهائلةُ لا قيمةَ لهَا إنْ أُهملتْ وبقيتْ حبيسةً، ولم تُسستثمرْ من قِبل الفردِ أوَّلًا، ثمَّ الأجهزةِ المجتمعيَّةِ المساندةِ كالتعليمِ والإعلامِ وكافَّةِ منابرِ الفكرِ والدعمِ السياسيِّ الإيجابيِّ نحوَ هذَا النموِّ.

لكنَّ واقعَ الحالِ العربيِّ -قديمًا وحديثًا- يقولُ غيرَ ذلكَ، فالضمورُ الحضاريُّ، والتشرذمُ السياسيُّ، والعصبيَّةُ القبليَّةُ والمذهبيَّةُ والطائفيَّةُ نجدهَا ملازمةً له، ولا تتركُ له أيَّ فرصةٍ سانحةٍ للتفكيرِ والإبداعِ، للتكاملِ والبناءِ الحضاريِّ النابعِ من هذَا الوطنِ الكبيرِ؛ ممَّا يجعلنَا نطرحُ عدَّة تساؤلاتٍ عريضةٍ تتَّسعُ باتِّساعِ مساحتهِ الشاسعةِ مفادهَا:


لماذَا يحدثُ ذلكَ؟ ولماذَا التخلُّفُ أصبحَ ملازمًا للمجتمعِ العربيِّ، بالرغمِ من تبدُّل الأحوالِ عند المجتمعاتِ الأُخْرى؟

حتَّى أنَّه أصبحَ يخالفُ المبدأَ الحضاريَّ الذي ذكرهُ ابن خلدون في مقدِّمتهِ، والذي يقولُ إنَّ كلَّ المجتمعاتِ الإنسانيَّةِ تمرُّ في بنائِها الحضاريِّ بمراحلَ تبدأُ من المحاولاتِ الناجحةِ، حتَّى تصلَ القمَّةَ، ثمَّ تعودَ إلى الحالِ الذي بدأتهُ، وشبَّه ذلكَ بالمنحنَى الاعتداليِّ، فهل المجتمعُ العربيُّ لا ينطبقُ عليهِ ذلكَ المبدأُ؟


وفي ضوءِ تلكَ المقدِّمةِ أستطيعُ المشاركةَ بمَا يجولُ في خاطرِي عن تلكَ القضيَّةِ المتجذِّرةِ والمُستدامةِ فأقولُ:

إنَّ المجتمعات العربية منذ العصر الجاهلي وحتى يومنا هذا، لازالت بعضها تعيش حياة القبيلة بكل مضامينها، وإنْ اختلفت الأدوات التي فرضت عليها من الخارج. فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أنَّ العصبية القبلية أو الطائفية أو المذهبية لازالت تنخر الجسد العربي المنهك، ولا زالت تتجاذبه؛ مما جعلها تنشغل بها، وتنسى ذلك الفكر وما يحمله من كنوز ربانية، بعد أنْ وجه ذلك الفكر لخدمة تلك التشرذمات.

وفي جانبٍ آخرَ نجدُ أنَّ بعضَ الدولِ الإسلاميَّةِ التي حملت الرسالةَ المحمديَّةَ المباركةَ قدْ اتَّخذت من كتابِ اللهِ -الذِي أُرسلَ إليهَا لإخراجِها مِن الظلماتِ إلى النُّورِ- عباءةً تتلبَّس بهَا لتحقيقِ مآربِها الدنيويَّة، وتجاهلت المبادئَ والقيمَ والسلوكاتِ التي جاءَ بهَا، ثمَّ كانَ ظهورُ نظامِ الفقيهِ الذي زادَ الطِّينَ بلَّةً، فأصبحَ كلُّ مذهبٍ من تلكَ المذاهبِ في حالةِ صراعٍ مستدامٍ مع المذاهبِ الأُخْرى، حتَّى أنَّ ذلكَ نشأَ عنهُ أنْ تضخَّمت المكتباتُ بتلكَ الكتبِ الفقهيَّةِ التي تخالفُ في الكثيرِ من صفحاتِها مطالبَ الدِّينِ الحنيفِ الذي أكملهُ اللهُ تعالى وأتمَّهُ وفصَّلهُ.

وكانَ من نتيجةِ ذلكَ كلِّه أنْ أصبحَ العقلُ العربيُّ الجمعيُّ الذي يحملُ بداخلهِ الكثيرَ من الكنوزِ الربانيَّةِ، أصبحَ ضامرًا، رثًّا، خامدًا، بعدَ ضمورِ تلكَ المزايَا المكتنزةِ بهِ، فأصبحَ لا يفكِّرُ إلَّا فِي قوتِ يومهِ، وأصبحَ حبيسًا لتلكَ الصراعاتِ المتناميَّةِ المُستدامةِ؛ لذا لنْ يرتقِي المجتمعُ العربيُّ حضاريًّا حتَّى ينفضَ عن كاهلهِ كلَّ تلكَ الموروثاتِ، ويبدأ في استثمارِ ذلكَ الفكرِ الذي يستوجبُ أنْ يُجدَّدَ ويُعزَّزَ ويُنمَّى؛ ليؤدَّي دورَهُ لمسايرةِ بقيَّةِ الأممِ المتقدِّمةِ الأُخْرى، ومنافستهَا. فالعقلُ العربيُّ لا يختلفُ أبدًا في مكوِّناتِهِ عن غيرهِ من العقولِ.. واللهُ من وراءِ القَصدِ.

أخبار ذات صلة

حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
الحُب والتربية النبوية
;
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح
كأس نادي الصقور.. ختامها مسك
;
المدينـة النائمـة
كتاب التمكين الصحي.. منهج للوعي
الإسلام.. الدِّيانة الأُولى في 2060م
ما لا يرضاه الغرب للعرب!
;
العمل الخيري الصحي.. في ظل رؤية 2030
القمة العربية الإسلامية.. قوة وحدة القرارات
يا صبر عدنان !!
احذروا البخور!!