كتاب
أثر حرية التعبير على النهضة العلمية في الإسلام
تاريخ النشر: 24 أبريل 2024 23:30 KSA
كانَ مِن نتيجةِ حريَّةِ التعبيرِ التِي يمتَّعُ بهَا العلماءُ والمفكِّرُون المسلمُونَ في العهودِ الإسلاميَّةِ الأُولى أنْ سلكُوا السُّبلَ التِي يريدُونَها، وطرقُوا الدراساتِ التِي يرغبُونَها، وأنتجَ هذَا ازدهارَ العلومِ والثقافةِ، وامتلاءَ المكتبةِ الإسلاميَّةِ بالذخائرِ الثقافيَّةِ من شتَّى العلومِ والفنونِ؛ ممَّا دفعَ بالإنسانيَّةِ خطواتٍ كبيرةً إلى الأمامِ، وكان أساسًا في إقامة النهضة الأوروبية الحديثة.. فنشأتْ بذلكَ نهضةٌ علميَّةٌ في كلِّ فروعِ العلمِ والمعرفةِ، بينمَا كانتْ أوروبَا في ظلامٍ دامسٍ، وكانَ الجهلُ سائدًا، وكانَ العقلُ في نومٍ عميقٍ.
ولو تتبَّعنَا تطبيقَ مبدأِ حريَّةِ التَّعبيرِ في الدولةِ الإسلاميَّةِ من الناحيةِ العمليَّةِ نلاحظُ مَا يأتِي:
1- أنَّهُ فيمَا يتعلَّق بالأمورِ ذاتِ الصبغةِ الدينيَّةِ، أو الشرعيَّةِ، فإنَّ حريَّةَ الرَّأي كانتْ مكفولةً بصورةٍ عامَّةٍ منذُ ظهورِ الإسلامِ إلى أنْ أُقفل بابُ الاجتهادِ في الدِّينِ في القرنِ الرابعِ الهجريِّ /الحادِي عشر الميلادِيِّ.
2- وفيمَا يتعلَّق بالأمورِ ذاتِ الصبغةِ السياسيَّةِ، فقدْ كانتْ هذهِ الحريةُ مكفولةً إلى حدٍّ بعيدٍ، وأُشيرُ إلى حدثٍ هامٍّ في خلافةِ علي بن أبي طالب -رضي اللهُ عنهُ- عندمَا انشقَّ عليهِ الخوارجُ، وكانُوا حوالى ثمانيةِ آلافٍ، فأرسلَ إليهِم ابنَ العباسِ ليُناظرَهُم، فاستطاعَ أنْ يقنعَ الكثيرِينَ منهُم بالحجَّةِ حتَّى عادَ أربعةُ آلافٍ، أمَّا مَن تبقَّى، فقدْ أرسلَ إليهِم عليٌّ -رضي اللهُ عنه- كتابًا يقولُ فيهِ: «كونُوا حيثُ شئتُم، بيننَا وبينكُم ألَّا تسفكُوا دمًا حرامًا، ولا تقطعُوا سبيلًا، ولا تظلمُوا أحدًا، فإنْ فعلتُم نُذرَ الحربِ معكُم لا نبدأُ بقتالٍ ما لمْ تُحدِثُوا فسادًا».
3- أمَّا حريَّةُ الرَّأي في المسائلِ العاديَّةِ، فقدْ كانتْ مكفولةً بصورةٍ تامَّةٍ، وفي هذهِ البيئةِ الصالحةِ انطلقَ العلماءُ في البحثِ العلميِّ.
وهناكَ شهاداتٌ من علماءَ غربيِّين على أثرِ حريَّةِ الفكرِ والعلمِ في الإسلامِ على الحضارةِ الإنسانيَّةِ، فيقولُ «سيديو» الوزيرُ الفرنسيُّ الأسبقُ، وأحدُ علماءِ الغربِ المُنصفِين في كتابهِ «خلاصة تاريخِ العربِ»: «لمْ يشهد المجتمعُ الإسلاميُّ ما شهدتهُ أوروبَا من تحجُّرِ العقلِ، ومحاربةِ العلمِ والعلماءِ، ويذكرُ التاريخُ أنَّ عددَ الذِين عُوقبُوا في أوروبَا بلغَ ثلاثمئةِ ألفٍ، حُرقَ منهُم اثنانِ وثلاثُون ألفًا أحياءً، كانَ منهُم العالمُ الطبيعيُّ «بورنو»، وعُوقب العالِم «جاليلو» بالقتلِ؛ لأنَّهُ اعتقدَ بدورانِ الأرضِ حولَ الشمسِ، وحُبِسَ «دي رومانس» في رومَا حتَّى ماتَ؛ لأنَّه قالَ: «إنَّ قوسَ قُزحٍ» ليستْ قوسًا حربيَّةً بيدِ اللهِ ينتقمُ بهَا من عبادِهِ إذَا أرادَ، بلْ هِي انعكاسُ ضوءِ الشمسِ في نقطِ الماءِ، ولا جدالَ في أنَّ تاريخَ الإسلامِ لمْ يعرفْ هذَا الاضطهادَ الشنيعَ لحريَّةِ الفكرِ والعلمِ الذِي عرفتهُ أوروبَا».
ثمَّ يقولُ «سيديو»: «عندمَا أتَى النبيُّ محمدٌ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وجَّهَ أفكارَ الأمةِ العربيَّةِ إلى مقصدٍ واحدٍ أعلَى شأنَهَا، حتَّى امتدَّتْ سلطتُهَا من نهرِ التَّاجِ المارِّ بإسبانيَا والبرتغالِ إلى نهرِ الكنجِ، وهُو أعظمُ أنهارِ الهندِ، وانتشرَ نورُ العلمِ والتمدُّنِ بالشَّرقِ والغربِ، وأهلِ أوروبَا؛ إذْ كانَ ذلكَ في ظُلمةِ القرونِ المتوسطةِ وجهالتهَا، وكانَ لدَى العربِ من العلمِ والصنائعِ والاستكشافاتِ مَا استفادَ مِنهُ المسيحيُّون في إسبانيَا حينَ تمَّ طردهُم منهَا».
ويقولُ «سيديو» في نهايةِ كتابهِ: «لقدْ كانَ المسلمُونَ منفردِينَ بالعلمِ في تلكَ القرونِ المُظلمةِ، فنشرُوه حيثُ وطئِت أقدامُهُم، وكانُوا هُم السبب في خروجِ أوروبَا من الظلماتِ إلى النورِ».
وقالَ المفكرُ الأوروبيُّ «داربر»: «ليستْ أوروبَا أرقَى حضارةً، ولا أرقَى تقدُّمًا، ولا أعلَى ذوقًا، ولا أجملَ مظهرًا ممَّا كانتْ عليهِ الحضارةُ الإسلاميَّةُ في بغدادَ والأندلسِ، يومَ أنْ كانت أوروبَا غارقةً في جهلِهَا وظلامِها، كانتْ شوارعُ المسلمِينَ في أيَّامِ حضارتِهم الزَّاهيةِ مضاءةً، مبلَّطةً بالأحجارِ، وكانتْ بيوتُهم مفروشةً بالطنافسِ، ومدفَّأةً بالمواقدِ، ومعطَّرةً بالروائحِ، وكانتْ لهُم جوامعُ كثيرةٌ، ومكتباتٌ مرتبةٌ، غير مَا كانُوا عليهِ من حريَّةٍ وحبٍّ وإخاءٍ وتراحمٍ».
ويقولُ المفكرُ الإنجليزيُّ «جورج سارتون»: «حقَّقَ العربُ -عباقرةُ الشرقِ- أعظمَ المآثرِ في القرونِ الوسطَى، فكتبُوا أعظمَ المؤلَّفاتِ قِيمةً، وأكثرَهَا نفعًا باللغةِ العربيَّةِ التِي كانتْ من منتصفِ القرنِ الثامنِ حتَّى نهايةِ القرنِ الحادي عشر لغةَ العلمِ الرَّاقِي عندَ الجنسِ البشريِّ كلِّه، حتَّى كانَ من الضروريِّ لأيِّ فردٍ إذَا أرادَ أنْ يلمَّ بثقافةِ هذَا العصرِ أنْ يتعلَّمَ اللغةَ العربيَّةَ.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي ينقصنا نحن -أحفاد هؤلاء العلماء العظماء- لنواصل هذا التفوق في الإبداع والابتكار، والاختراع والاكتشاف، لنعود أمةً منتجةً أكثر مما هي مستهلكة كما هي الآن، ونصدر للعالم نتاج عقولنا وعلومنا أكثر مما نستورده منه؟.
متى تتوقَّف هجرة العقول العربية والمسلمة إلى أوروبا وأمريكا التي تُحقِّق إنجازات علمية كُبْرى، تُنسب إلى تلك الدول الحاضنة لها؟.
مَا أتمنَّاهُ، أنْ تتبنَّى المملكةُ كلَّ العقولِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ المهاجرةِ، بأنْ تكونَ هِي البيئةَ العلميَّةَ الحاضنةَ لهَا ولاختراعاتِهَا وأبحاثِهَا واكتشافاتِهَا، فتعودُ أرضُ الجزيرةِ العربيَّةِ مهدَ الحضاراتِ الإنسانيَّةِ القديمةِ، ومهدَ الحضارةِ الإسلاميَّةِ سيِّدةِ الحضاراتِ الإنسانيَّةِ إلى مكانتِهَا كمركزِ إشعاعٍ حضاريٍّ للعالمِ بأسرِهِ.
ولو تتبَّعنَا تطبيقَ مبدأِ حريَّةِ التَّعبيرِ في الدولةِ الإسلاميَّةِ من الناحيةِ العمليَّةِ نلاحظُ مَا يأتِي:
1- أنَّهُ فيمَا يتعلَّق بالأمورِ ذاتِ الصبغةِ الدينيَّةِ، أو الشرعيَّةِ، فإنَّ حريَّةَ الرَّأي كانتْ مكفولةً بصورةٍ عامَّةٍ منذُ ظهورِ الإسلامِ إلى أنْ أُقفل بابُ الاجتهادِ في الدِّينِ في القرنِ الرابعِ الهجريِّ /الحادِي عشر الميلادِيِّ.
2- وفيمَا يتعلَّق بالأمورِ ذاتِ الصبغةِ السياسيَّةِ، فقدْ كانتْ هذهِ الحريةُ مكفولةً إلى حدٍّ بعيدٍ، وأُشيرُ إلى حدثٍ هامٍّ في خلافةِ علي بن أبي طالب -رضي اللهُ عنهُ- عندمَا انشقَّ عليهِ الخوارجُ، وكانُوا حوالى ثمانيةِ آلافٍ، فأرسلَ إليهِم ابنَ العباسِ ليُناظرَهُم، فاستطاعَ أنْ يقنعَ الكثيرِينَ منهُم بالحجَّةِ حتَّى عادَ أربعةُ آلافٍ، أمَّا مَن تبقَّى، فقدْ أرسلَ إليهِم عليٌّ -رضي اللهُ عنه- كتابًا يقولُ فيهِ: «كونُوا حيثُ شئتُم، بيننَا وبينكُم ألَّا تسفكُوا دمًا حرامًا، ولا تقطعُوا سبيلًا، ولا تظلمُوا أحدًا، فإنْ فعلتُم نُذرَ الحربِ معكُم لا نبدأُ بقتالٍ ما لمْ تُحدِثُوا فسادًا».
3- أمَّا حريَّةُ الرَّأي في المسائلِ العاديَّةِ، فقدْ كانتْ مكفولةً بصورةٍ تامَّةٍ، وفي هذهِ البيئةِ الصالحةِ انطلقَ العلماءُ في البحثِ العلميِّ.
وهناكَ شهاداتٌ من علماءَ غربيِّين على أثرِ حريَّةِ الفكرِ والعلمِ في الإسلامِ على الحضارةِ الإنسانيَّةِ، فيقولُ «سيديو» الوزيرُ الفرنسيُّ الأسبقُ، وأحدُ علماءِ الغربِ المُنصفِين في كتابهِ «خلاصة تاريخِ العربِ»: «لمْ يشهد المجتمعُ الإسلاميُّ ما شهدتهُ أوروبَا من تحجُّرِ العقلِ، ومحاربةِ العلمِ والعلماءِ، ويذكرُ التاريخُ أنَّ عددَ الذِين عُوقبُوا في أوروبَا بلغَ ثلاثمئةِ ألفٍ، حُرقَ منهُم اثنانِ وثلاثُون ألفًا أحياءً، كانَ منهُم العالمُ الطبيعيُّ «بورنو»، وعُوقب العالِم «جاليلو» بالقتلِ؛ لأنَّهُ اعتقدَ بدورانِ الأرضِ حولَ الشمسِ، وحُبِسَ «دي رومانس» في رومَا حتَّى ماتَ؛ لأنَّه قالَ: «إنَّ قوسَ قُزحٍ» ليستْ قوسًا حربيَّةً بيدِ اللهِ ينتقمُ بهَا من عبادِهِ إذَا أرادَ، بلْ هِي انعكاسُ ضوءِ الشمسِ في نقطِ الماءِ، ولا جدالَ في أنَّ تاريخَ الإسلامِ لمْ يعرفْ هذَا الاضطهادَ الشنيعَ لحريَّةِ الفكرِ والعلمِ الذِي عرفتهُ أوروبَا».
ثمَّ يقولُ «سيديو»: «عندمَا أتَى النبيُّ محمدٌ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وجَّهَ أفكارَ الأمةِ العربيَّةِ إلى مقصدٍ واحدٍ أعلَى شأنَهَا، حتَّى امتدَّتْ سلطتُهَا من نهرِ التَّاجِ المارِّ بإسبانيَا والبرتغالِ إلى نهرِ الكنجِ، وهُو أعظمُ أنهارِ الهندِ، وانتشرَ نورُ العلمِ والتمدُّنِ بالشَّرقِ والغربِ، وأهلِ أوروبَا؛ إذْ كانَ ذلكَ في ظُلمةِ القرونِ المتوسطةِ وجهالتهَا، وكانَ لدَى العربِ من العلمِ والصنائعِ والاستكشافاتِ مَا استفادَ مِنهُ المسيحيُّون في إسبانيَا حينَ تمَّ طردهُم منهَا».
ويقولُ «سيديو» في نهايةِ كتابهِ: «لقدْ كانَ المسلمُونَ منفردِينَ بالعلمِ في تلكَ القرونِ المُظلمةِ، فنشرُوه حيثُ وطئِت أقدامُهُم، وكانُوا هُم السبب في خروجِ أوروبَا من الظلماتِ إلى النورِ».
وقالَ المفكرُ الأوروبيُّ «داربر»: «ليستْ أوروبَا أرقَى حضارةً، ولا أرقَى تقدُّمًا، ولا أعلَى ذوقًا، ولا أجملَ مظهرًا ممَّا كانتْ عليهِ الحضارةُ الإسلاميَّةُ في بغدادَ والأندلسِ، يومَ أنْ كانت أوروبَا غارقةً في جهلِهَا وظلامِها، كانتْ شوارعُ المسلمِينَ في أيَّامِ حضارتِهم الزَّاهيةِ مضاءةً، مبلَّطةً بالأحجارِ، وكانتْ بيوتُهم مفروشةً بالطنافسِ، ومدفَّأةً بالمواقدِ، ومعطَّرةً بالروائحِ، وكانتْ لهُم جوامعُ كثيرةٌ، ومكتباتٌ مرتبةٌ، غير مَا كانُوا عليهِ من حريَّةٍ وحبٍّ وإخاءٍ وتراحمٍ».
ويقولُ المفكرُ الإنجليزيُّ «جورج سارتون»: «حقَّقَ العربُ -عباقرةُ الشرقِ- أعظمَ المآثرِ في القرونِ الوسطَى، فكتبُوا أعظمَ المؤلَّفاتِ قِيمةً، وأكثرَهَا نفعًا باللغةِ العربيَّةِ التِي كانتْ من منتصفِ القرنِ الثامنِ حتَّى نهايةِ القرنِ الحادي عشر لغةَ العلمِ الرَّاقِي عندَ الجنسِ البشريِّ كلِّه، حتَّى كانَ من الضروريِّ لأيِّ فردٍ إذَا أرادَ أنْ يلمَّ بثقافةِ هذَا العصرِ أنْ يتعلَّمَ اللغةَ العربيَّةَ.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي ينقصنا نحن -أحفاد هؤلاء العلماء العظماء- لنواصل هذا التفوق في الإبداع والابتكار، والاختراع والاكتشاف، لنعود أمةً منتجةً أكثر مما هي مستهلكة كما هي الآن، ونصدر للعالم نتاج عقولنا وعلومنا أكثر مما نستورده منه؟.
متى تتوقَّف هجرة العقول العربية والمسلمة إلى أوروبا وأمريكا التي تُحقِّق إنجازات علمية كُبْرى، تُنسب إلى تلك الدول الحاضنة لها؟.
مَا أتمنَّاهُ، أنْ تتبنَّى المملكةُ كلَّ العقولِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ المهاجرةِ، بأنْ تكونَ هِي البيئةَ العلميَّةَ الحاضنةَ لهَا ولاختراعاتِهَا وأبحاثِهَا واكتشافاتِهَا، فتعودُ أرضُ الجزيرةِ العربيَّةِ مهدَ الحضاراتِ الإنسانيَّةِ القديمةِ، ومهدَ الحضارةِ الإسلاميَّةِ سيِّدةِ الحضاراتِ الإنسانيَّةِ إلى مكانتِهَا كمركزِ إشعاعٍ حضاريٍّ للعالمِ بأسرِهِ.