كتاب

الأكذوبة الكبرى التي يعيشها العالم اليوم!

لقد أسقطت حرب إسرائيل على غزة كل الأقنعة التي توارت عبرها دول «العالم الأول»، لفرض هيمنتها وسيطرتها على دول العالم الثالث، وهذه الدول تشمل البلاد العربية والإسلامية، والإفريقية، وأمريكا اللاتينية والدول الآسيوية ويستثنى منها الصين وروسيا التي صُنِّفت مع كوبا والأصدقاء بدول «العالم الثاني»، فهذه الحرب كشفت لنا الآتي:

أولًا: أنّ مجلس الأمن بمنحه حق الفيتو لخمس دول، ثلاث منها من دول العالم الأول، يعطي دول العالم الأول مع إسرائيل حق إثارة الحروب وارتكاب جرائم حرب دون محاسبة، فأمريكا غزت العراق مع إنجلترا عام 2003 لأسباب كاذبة، ففي الأول من ديسمبر 2008 شكك جورج دبليو بوش الابن نفسه في الأدلة التي قادت إلى غزو جيشه للعراق قائلاً: «أكثر ما ندمت عليه خلال الرئاسة، هو فشل المخابرات في العراق، فالكثير من الناس وضعوا سمعتهم على المحك، وقالوا إن أسلحة الدمار الشامل سبب للإطاحة بصدام حسين».. وفي الخامس من فبراير 2003، وقف وزير الخارجية الأمريكي الأسبق الراحل كولن باول أمام مجلس الأمن قائلًا: «ما نقدمه لكم هي حقائق واستنتاجات مبنية على استخبارات قوية، تؤكد امتلاك العراق أسلحة دمار شامل».


كان ذلك الخطاب بمثابة إعلان صريح لغزو العراق، وإسقاط النظام.. فقد أظهر باول آنذاك أنبوبًا يحوي مسحوقًا أبيض (في إشارة إلى أنثراكس أو الجمرة الخبيثة)، وصور الأقمار الصناعية، مؤكدًا أنّه يقدم أدلة «لا يمكن دحضها» عن إخفاء نظام صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل، وطلب من مجلس الأمن الضوء الأخضر للقيام بعمل عسكري ضد العراق، غير أنّه بعد عامين من الغزو عبَّر عن ندمهِ على هذا الخطاب، مؤكدًا أنّه سيظل «وصمة عار في مسيرته السياسية».

واستند خطاب باول على معلومات للمؤسسات الاستخباراتية والعسكرية الأمريكية لتبرير الغزو، الذي اتضح لاحقًا أنّها مضللة، ونعتها الإعلام الأمريكي بـ»كذبة القرن» التي كلفت العراق ثمنًا باهظًا.


أمّا رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير فقد عبّر في السادس من يوليو 2016 عن «أسفه وحزنه»، وقدم «اعتذاراته»، بعد نشر تقرير لجنة تشيلكوت حول غزو العراق 2003، ينتقد مشاركة بريطانيا فيه. وقال بلير خلال مؤتمر صحفي: «كان ذلك القرار هو الأكثر صعوبة الذي اتخذته.. وأنا أتحمل كامل المسؤولية، وأعبر عن ألمي وأسفي وأقدم اعتذاراتي».

ومع هذه الاعترافات لم يُحاكم جورج بوش الابن وكولن وباول وتوني بلير، ولم تُفرض أية عقوبات ولا تعويضات على دولتيهم.. وإلى الآن لم تُطالَب بريطانيا بدفع تعويضات مالية للشعب الفلسطيني على وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

ثانياً: أنّ القوانين الدولية وُضعت لإلزام دول العالم الثاني والثالث بها باستثناء إسرائيل. فدول العالم الأول مع إسرائيل فوق القانون الدولي، وفوق المحاسبة، والأمثلة كثيرة على انتهاك هذه الدول للقوانين الدولية، منها احتلال الدول.

ثالثًا: حقوق الإنسان ذريعة تستخدمها دول العالم الأول للتدخل في الشؤون الداخلية لدول العالميْن الثاني والثالث، وفرض عقوبات عليها باستثناء إسرائيل التي تخترق كل حقوق الإنسان الفلسطيني، ولا تُساءل ولا تُحاسَب.

رابعاً: الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، فلقد نسفت مظاهرات واعتصامات طلاب بعض الجامعات الأمريكية والكندية والأوروبية شعارات الغرب حول حرية الرأي والتعبير؛ حيث قمعت السلطات تلك المظاهرات بأمر من نتنياهو، واقتحمت الشرطة الحرم الجامعي لجامعتي كولومبيا وكاليفورنيا في أمريكا، وتم اعتقال 2100 طالب من ستين كلية أمريكية، واقتحمت الشرطة الفرنسية الحرم الجامعي لجامعة السوربون في باريس لقمع المتظاهرين، رغم اقتصار مطالبهم على إيقاف الحرب في غزة.

خامسًا: المحكمة الجنائية الدولية التابعة للأمم المتحدة، ومقرها لاهاي بهولندا، انطلقت عام 2002م لملاحقة الأشخاص وإصدار مذكرات الاعتقال وقرارات الإدانة وتوقيع العقوبة على الأشخاص الطبيعيين المتهمين بارتكاب جرائم الحرب، فقد شكّل تأسيسها أملًا في تحقيق العدالة، لكن هذا الأمل سرعان ما تلاشى، عندما تبيّن أنّ معظم القضايا التي أُحيلت إلى المحكمة وصدر فيها حكم إدانة من إفريقيا، لم يكن من بينها حالة فلسطين، رغم أنّ الجرائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة موثّقة.. ومع جرائم حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر، أحالت خمس دول: جنوب إفريقيا، وبنغلاديش، وبوليفيا، وجزر القمر، وجيبوتي، القضيةَ إلى المحكمة الجنائية الدولية، وطلبت فتح تحقيق. ولكن وخلال الفترة الماضية صدرت عدّة مواقف من المدعي العام زادت من الريبة والشكوك حول مدى جدّيته ونزاهته؛ إذ لاتزال فاعليّة التحقيق في حالة فلسطين متعثرة.

وهكذا يتضح لنا أنّ العالم محكوم من قبل دول قد لا يتجاوز عددها أصابع اليد، يتحكم في قراراتها اللوبي الصهيوني العالمي، بهدف استعباد دول العالم الثالث التي تُشكِّل 57 دولة إسلامية منها، وأقترح على دول العالم الثالث، وفي مقدمتها الدول العربية والإسلامية الآتي:

1- أن تشكل تكتلًا قويًا موحدًا لمواجهة القوى الكبرى، وإحباط مخططاتها.

2- إنشاء منظمات ومؤسسات ومحاكم محايدة تحمي حقوق المستضعفين.

3- العمل بجدية على إلغاء حق الفيتو في مجلس الأمن، ومنح المملكة ومصر العضوية الدائمة في هذا المجلس.

أخبار ذات صلة

حتى أنت يا بروتوس؟!
حراك شبابي ثقافي لافت.. وآخر خافت!
الأجيال السعودية.. من العصامية إلى التقنية الرقمية
فن الإقناع.. والتواصل الإنساني
;
عن الاحتراق الوظيفي!
سقطات الكلام.. وزلات اللسان
القطار.. في مدينة الجمال
يومان في باريس نجد
;
فن صناعة المحتوى الإعلامي
الإدارة بالثبات
أرقام الميزانية.. تثبت قوة الاقتصاد السعودي
ورود
;
حان دور (مؤتمر يالطا) جديد
الحضارة والتنمية
خط الجنوب وإجراء (مأمول)!
الشورى: مطالبة وباقي الاستجابة!!