كتاب

قلق الوجودية

الإنسانُ.. قلِقٌ بطبيعتهِ، يبحثُ عن الطُّمأنينةِ النفسيَّةِ والسَّكينةِ الرُّوحيَّةِ.. وأساسُ كلِّ تلكَ الاضطراباتِ، همومٌ ومخاوفُ وتساؤلاتٌ وجوديَّةٌ. إنَّ كونَ الإنسانِ جزءٌ مِن شيءٍ أكبر منهُ، يشجِّعهُ ليكونَ مُرتبطًا بقيمةٍ أعلَى مِن مُجرَّدِ فردانيَّتهُ، لذلكَ كانَ الاهتمامُ بالأديانِ، والفنونِ، والفضيلةِ، والأدبِ والفلسفةِ، والقِيَمِ الإنسانيَّةِ والحِرَفِ المِهْنيَّةِ، أمورًا تُضيفُ إلى الفردِ قيمةً وُجوديَّةً، وتُعينهُ علَى تقبُّلِ الحياةِ بجبروتِهَا والتَّعاطِي مع ألغازِهَا.

وفِي هذهِ المرحلةِ المُضطربةِ مِن الحضارةِ البشريَّةِ، يختبرُ الإنسانُ عصرَ مَا بعدَ الحَداثةِ، عصرَ اهتزازِ عرشِ الأديانِ، واضطرابِ السُّلوكِ، واختلالِ الأفكارِ، وطُغيانِ المادِّيَّة والأنانيَّةِ، ومُراجعةِ المُسلَّماتِ، وعولَمةِ الثَّقافاتِ، وغِيابِ المرجِعيَّاتِ الأخلاقيَّةِ.. إنَّه عصرٌ خطيرٌ يقودُ إلى المجهولِ.


ومع مُواجهةِ الإنسانِ لمُعضِلاتٍ دينيَّةٍ وفِكريَّةٍ واجتماعيَّةٍ واقتصاديَّةٍ وأزْماتٍ سياسيَّةٍ، ازدادتْ الأزمةُ الوُجوديَّةُ شِدَّةً، وأصبحتِ الإجاباتُ الجاهزةُ التِي وفَّرتهَا الأديانُ أقلَّ جذبًا لهُ، فصارَ ناقمًا فاقدًا الطُّمأنينةَ في مُواجهةِ السُّؤالِ الأكثرِ إِلحاحًا: ماذَا عليَّ أنْ أفعلَ الآنَ؟!. عمومًا، أنتَ فِي الواقعِ تعيشُ بمقاييسِ المُتاحِ وليسَ المُراد، وتنفعلُ بشيءٍ مِن الكبْتِ، وتُعبِّر عن مَشاعرِكَ بكثيرٍ مِن الخَجلِ، وتغضبُ بقليلٍ من الجُموحِ.. مباركٌ عليكَ.. أنتَ بذلكَ إنسانٌ اجتماعيُّ عاقلٌ.. لكنَّكَ أيضًا -وللأسفِ- إنسانٌ مريضٌ!.

إنَّ الأديانَ والمُعتقداتِ المُختلفةَ، تتصدَّى -دومًا- للإجابةِ على التَّساؤلاتِ الوُجوديَّةِ، وأهمُّهَا المصيرُ الفَرديُّ.. بِمعنَى، إلى أينَ سأذهبُ، ومَا هُو مَآلِي أنَا شخصيًّا بعدَ الموتِ؟!.. كمَا تُصوُّرهَا بِصورٍ شتَّى لَا تستدعِي كثيرًا مِن التفكُّرِ أو التردُّدِ، وهِي بذلكَ مِن أهمِّ مصادرِ الحُصولِ على الطُّمأنينةِ النَّفسيَّةِ.


لكنَّ مِن أكبرِ أسبابِ التَّملْمُلِ النَّفسيِّ لدَى بعضِ المُتأمِّلِينَ والمُفكِّرِينَ والمُطَّلِعِينَ والفلاسفةِ، تنامِي حِدَّةِ التّساؤلاتِ الوُجوديَّةِ التِي تُحاصِرُهُم، وفشلِ الإجاباتِ المُعلَّبةِ الجاهزةِ في إرضاءِ شغَفِهِم المَعرِفيِّ. لذلكَ كانَ مِن أهمِّ أهدافِ الفلسفةِ، محاولةُ التخفيفِ من القلَقِ الوجوديِّ، والتَّعاطِي معَ الحرَجِ الكبيرِ الذِي تسبَّبَ بهِ تقديمُ النَّقلِ الخالِصِ، علَى العقلِ المُستنيرِ والتَّراكِم العِلْميِّ.

تلكَ المُعضلاتُ الوجوديَّةُ الكُبْرَى، لا يُمكنُ التَّعاملُ معهَا إلَّا مِن خِلالِ الحُبِّ، وعدمِ اليقينِ.. نعمْ، إنَّ الإيمانَ هُو حبُّ عميقٌ، ووثبةٌ في الظَّلامِ. يقولُ «دوستويفسكي»: (هُناكَ مَشكلاتٌ وجوديَّةٌ كُبْرَى لَا يُمكنُ فَهمُهَا عن طريقِ العقلِ فقطْ.. إنَّهَا تتجاوزُ حُدودَ العقلِ، وبالتَّالِي فلَا يُمكنُ لنَا أنْ نفهَمَهَا إلَّا عَن طريقِ الإيمانِ).

أخبار ذات صلة

حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
الحُب والتربية النبوية
;
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح
كأس نادي الصقور.. ختامها مسك
;
المدينـة النائمـة
كتاب التمكين الصحي.. منهج للوعي
الإسلام.. الدِّيانة الأُولى في 2060م
ما لا يرضاه الغرب للعرب!
;
العمل الخيري الصحي.. في ظل رؤية 2030
القمة العربية الإسلامية.. قوة وحدة القرارات
يا صبر عدنان !!
احذروا البخور!!