كتاب

شغّل مخك يا ....!!

هل سبق لك أن صرخت بهذه العبارة في وجه أحد أبنائك أو تلاميذك، معتقداً أنك بهذه الجملة المُحبطة تُعلّمه التفكير أو تُحفزّه عليه؟ كم مرة اتهمتَ أحد أعضاء الفريق العامل معك بالغباء لمجرد أنه سلك نمطاً تفكيرياً مخالفاً لنمطك؟! وهل غضبنا من خروج شخص على أنماطنا التقليدية في التفكير دليل على غبائه، أم غبائنا نحن؟!.

إليك في البداية حقيقة طريفة ربما تكون غائبة عن ذهنك، وهي أنه ليس كل الناس يقومون بالتفكير رغم قدرتهم عليه.. فكثير منّا يتوهمون أنهم يفكرون فعلاً غير أنهم في الواقع لا يفعلون شيئاً أكثر من التفتيش في دوائرهم ودهاليسهم الفكرية الخاصة، بحثاً عن طرق تؤكد صواب تحيزاتهم العقلية الناتجة عن تجاربهم وثقافاتهم الشخصية فقط!.


هذا اللبس ناتج عن أن الكثيرين يخلطون بين الاستدلال المنطقي والتفكير.. وهذا خطأ جسيم بالطبع، فالاستدلال مجرد نموذج ذهني ناتج عن تجربة أو اطلاع شخصي سابق، لذلك يختلف باختلاف الأفراد والجماعات والمجتمعات، وتنوع ثقافاتهم.. أما التفكير فهو عملية أكبر وأعقد من ذلك بكثير، إنه النتيجة النهائية لمجموع العمليات الذهنية التي يقوم بها العقل من ربطٍ وتحليل واستنباط ومقارنة لاستدلالاتك الشخصية؛ مع نماذج ذهنية متعددة ومتنوعة، قد تتطابق مع فكرتك وقد تختلف معها كلياً، وكلما زاد عدد النماذج الذهنية المُقارَنة والأفكار الخارجية المدخلة؛ وزاد تقبلنا وإنصافنا لها في المعالجة، زادت دقة النتائج وتحسنت جودتها.

إذن التفكير الصحيح يتطلب وضع استدلالاتك ومعتقداتك على المحكّ، والتساؤل بأمانة: هل ما توصلت إليه صحيح فعلاً؟ هذا السؤال هو شرارة التفكير السليم، لأنه يتحدى كل معتقداتنا وأوهامنا العقلية الراسخة، ومنه تبدأ الرحلة في رؤية الأشياء خارج نطاق دوائرنا الخاصة، وبالإجابة عليه نستطيع اتخاذ رؤى وقرارات واعية وأقرب للصواب.


بالعودة إلى العبارة عنوان المقال نقول: إن تعليم أبنائنا التفكير لا يبدأ من عند الاستهزاء بعقولهم والسخرية من طرائق تفكيرهم، (وتشبيههم ببعض الحيوانات الأليفة)، بل لا بد أن ينطلق من إمدادهم بالأدوات اللازمة لإعمال العقل وتجويد مخرجاته، بدءاً من تعليمهم مبادئ البحث الجاد والنزيه، من خلال عقل حرّ لا يخشى الاطلاع والمقارنة المنصفة، ويملك الوعي الكافي لتجاوز كل خداعات العقل وتحيّزاته، وليس انتهاءً بدفعهم نحو التجرد وعدم التقوقع على المعتقدات الخاصة، والأهم حثّهم على زيادة عدد النماذج التي يمكن الاطلاع عليها واستيعابها، لتصبح عقولهم أكثر نضجاً وأكثر قدرة على تقبل الحقائق مهما تعارضت مع أفكارهم ومعتقداتهم السابقة.

ابنك أو تلميذك الذي تعتقد أنه لا يفكر؛ ليس بحاجة لسخريتك، بل لمساعدتك وإرشادك، لذلك في المرة القادمة وبدلاً من التندر على تفكيره، فكّر أنت في كيفية مساعدته من خلال تقديم الأدوات التي تُمكِّنه من إعادة هيكلة المشكلة، والبحث عن النماذج العقلية التي تُقدِّم حلاً لها.. بخلاف ذلك أنت لا تساعد ولا تفكر أيضاً، أنت فقط تسخر وتتنمَّر!.

أخبار ذات صلة

اللغة الشاعرة
مؤتمر الأردن.. دعماً لوحدة سوريا ومستقبلها
الجهات التنظيمية.. تدفع عجلة التنمية
الاستثمار في مدارس الحي
;
معرض جدة للكتاب.. حلَّة جديدة
«حركية الحرمين».. إخلاص وبرامج نوعية
دموع النهرين...!!
الجمال الهائل في #سياحة_حائل
;
عقيقة الكامخ في يوم العربيَّة
قُول المغربيَّة بعشرةٍ..!!
في رحاب اليوم العالمي للغة العربية
متحف للمهندس
;
وقت الضيافة من حق الضيوف!!
السرد بالتزييف.. باطل
عنف الأمثال وقناع الجَمال: قلق النقد ويقظة الناقد
مزايا مترو الرياض