كتاب

مدن.. تسير على (عجلتين)!

في السنواتِ الأخيرةِ، تدفَّقَ المزيدُ والمزيدُ من النَّاسِ إلى المدنِ الكُبْرى حولَ العالمِ، إمَّا للهجرةِ والعملِ، أو للدراسةِ، أو بغرضِ السياحةِ والعلاجِ، أدَّى كلُّ ذلكَ إلى ضرورةِ وجودِ مساحاتٍ خاصَّةٍ وكبيرةٍ فِي الوسطِ التِّجاريِّ للمدنِ الكُبْرَى؛ لكَي تستوعبَ وقوفَ الأعدادِ الكبيرةِ مِن السيَّاراتِ، وتسبَّبت هذهِ الظاهرةُ (المواقف) فِي خلقِ الكثيرِ مِن المشكلاتِ التِي تواجهُ العديدَ مِن المدنِ الكُبْرى فِي عالمِ اليومِ؛ لأسبابٍ عدَّةٍ منهَا:

الازدحامُ المروريُّ، وزيادةُ التلوثِ البيئيِّ، وفِي هذَا الصددِ تقولُ دراسةٌ أمريكيَّةٌ نُشرتْ فِي عامِ ١٩٩٥م، بمدينةِ (نيويورك)، تظهرُ أنَّ متوسطَ زمنِ بحثِ السائقِينَ عَن مواقفَ لمركباتِهِم حوالى (١٠) دقائقَ، وبحسبةٍ بسيطةٍ يعنِي ذلكَ أنَّ (١٠٪) من السَّائقِينَ بالمدينةِ يمضُونَ الوقتَ فِي البحثِ عَن مواقفَ لمركباتِهِم!.


كمَا تحتلُّ المواقفُ مساحاتٍ شاسعةً مِن أقطارِ المدنِ، فالمواقفُ بمدينةِ (لندن) العاصمةِ البريطانيَّةِ -علَى سبيلِ المثالِ- تُمثِّل مَا يُوازِي (١٤) كيلومترًا مربعًا من المساحةِ الإجماليَّةِ للمدينةِ؛ ويُقدَّر ذلكَ بـ(١٠) أضعافِ مساحةِ حديقةِ لندن الشهيرةِ «هايد بارك»!.

لذَا، نجدُ أنَّ بعضَ المدنِ الكُبْرى حولَ العالمِ بدأتْ في الاستغناءِ عَن مواقفَ السياراتِ؛ واستبدالهَا بوسائلَ تنقُّلٍ أكثر استدامةً ومنفعةً بيئيَّةً وحضاريَّةً، مِن هذهِ المدنِ مدينة (أوسلو) العاصمةُ النرويجيَّة؛ التِي قامتْ فِي العامِ ٢٠١٩م، بإلغاء (٧٠٠) موقفِ سيَّاراتٍ مِن وسطِ المدينةِ التجاريِّ، واستبدلت بِهَا بنى تحتيَّة للدرَّاجاتِ الهوائيَّةِ، بجانبِ شبكةِ المواصلاتِ العامَّة ذاتِ الكفاءةِ العاليةِ.


وفِي مدينةِ (كوبنهاجن) العاصمةِ الدنماركيَّةِ، قامَ مسؤولُو المدينةِ فِي العامِ 2021م، بإلغاءِ مَا نسبته (٥٠٪) مِن مواقفِ السيَّاراتِ في الحيِّ الأثريِّ، وسط المدينةِ التجاريِّ، وقامُوا بإلغاءِ الباقِي من المواقفِ عامَ ٢٠٢٣م، جاعلِينَ منهَا مدينةً رائدةً فِي التجوُّلِ بالدرَّاجاتِ الهوائيَّةِ، وخاليةً من التلوِّثِ، وأصبحتْ ثقافةً يتبنَاهَا أغلبُ سكَّانِ المدينةِ للتنقُّلِ.

وفي مدينةِ (أمستردام) العاصمةِ الهولنديَّةِ، تم فرضُ قيودٍ علَى إصدارِ تراخيصَ لمواقفَ السيَّاراتِ بالشوارعِ منذُ العام ٢٠١٩م، بهدفِ التقليلِ مِن تأثيرِهَا على التنقلِ بالمدينةِ، كمَا تشيرُ الدارساتِ المروريَّةِ أنَّ مَا يساوِي (٢١٪) فقطْ من التنقلاتِ فِي داخلِ المدينةِ تتمُّ بالسيَّاراتِ حاليًّا!.

وفِي العاصمةِ الفرنسيَّةِ (باريس)؛ والمشهورةِ بازدحامِهَا المروريِّ، فقدْ تمَّ فِي العامِ ٢٠٢٠م، إلغاءُ مَا يساوِي (٧٠) ألفَ موقفِ سيَّاراتٍ داخلَ الوسطِ التجاريِّ؛ بهدفِ الدفعِ بسكَّانِ المدينةِ إلى تبنِّي ثقافةِ التنقلِ بالدرَّاجاتِ الهوائيَّةِ، ودعم البنى التحتيَّة لهَا، كمَا يأملُ القائمونَ علَى المدينةِ بإزالةِ مَا نسبتهُ (٧٢٪) من إجماليِّ المواقفِ الحاليَّةِ فِي المدينةِ بنهايةِ العامِ ٢٠٢٤م.

ورغمَ كلِّ ذلكَ، تبقَى السيَّاراتُ هِي الوسيلةُ المفضَّلةُ فِي التنقُّلِ للكثيرِ مِن النَّاسِ، خاصَّةً فِي حالةِ الأجواءِ المناخيَّةِ الحارَّةِ والرَّطبةِ، وأيضًا فِي غيابِ البدائلِ المريحةِ للانتقالِ مِن مكانٍ لآخرَ، داخل المدينةِ سواء لقاطنِي المدينةِ أو للزوَّارِ مِن خارجِهَا.

أخبار ذات صلة

اللغة الشاعرة
مؤتمر الأردن.. دعماً لوحدة سوريا ومستقبلها
الجهات التنظيمية.. تدفع عجلة التنمية
الاستثمار في مدارس الحي
;
معرض جدة للكتاب.. حلَّة جديدة
«حركية الحرمين».. إخلاص وبرامج نوعية
دموع النهرين...!!
الجمال الهائل في #سياحة_حائل
;
عقيقة الكامخ في يوم العربيَّة
قُول المغربيَّة بعشرةٍ..!!
في رحاب اليوم العالمي للغة العربية
متحف للمهندس
;
وقت الضيافة من حق الضيوف!!
السرد بالتزييف.. باطل
عنف الأمثال وقناع الجَمال: قلق النقد ويقظة الناقد
مزايا مترو الرياض