كتاب

عبثية السعي وراء السعادة!

يَرَى (دوستويفسكي) أنَّ أكبرَ كِذبةٍ تربَّينَا عليهَا هِي السَّعيُ للوصولِ إلى السَّعادةِ، وذلكَ لأنَّ السَّعادةَ في رأيِهِ تقتضِي الحُرَّيةَ، والإنسانُ لا يُمكنُ لهُ أنْ يكونَ حُرًّا. إنَّ المُثابرةَ علَى البحثِ عَن السَّعادةِ قدَرُ الإنسانِ ومصيرُهُ المحتومُ، وهُو لنْ يتوقَّفَ عَن هذَا البحثِ مادامَ حيًّا، علَى الرَّغمِ مِن تجارِبِهِ المُتواترةِ التِي تؤكِّدُ علَى أنَّه لنْ يحصلَ عليهَا إطلاقًا.. ياللمَهزلةِ!.

يبدُو حقًّا أنَّ الغايةَ مِن الحياةِ ليستِ السَّعادةَ بحدِّ ذاتِهَا، فالكدُّ مِن أجلِ السَّعادةِ أمرٌ لَا يتوافَقُ معَ الحِكمةِ، والإفراطُ فيهِ قدْ يُسبِّبُ تعاسةً مَريرةً. الحياةُ مُغامرةٌ ورِهانٌ، تتطوَّرُ وتنمُو، وهِي مُثيرةٌ جذَّابةٌ، لكنَّهَا قد تنتكسُ وتخيِّبُ الآمَالَ. لذلكَ، فالحِكمةُ تقتضِي ألَّا يسعَى المرءُ إلى كمالِ اللَّذةِ، بلْ إلى أقلِّ درجةٍ مُمكِنةٍ مِن الألَمِ، وهُنَا تكمُنُ حِكمةُ فنِّ العيشِ، بحسْبِ فلاسِفةٍ مِن أمثالِ (شوبنهاور).


ومِن أسبابِ الارتياحِ النَّفسيِّ، التعاملُ معَ دائرةٍ أضيقَ مِن الأصدقاءِ والمَعارِفِ، والتَّواصلُ معَ مـجموعةٍ مُختَصرةٍ مِن أُناسٍ باهتماماتٍ مُشترَكةٍ ومُستوياتٍ مُتقارِبةٍ من الذَّكاء الاجتماعيِّ، بعيدًا عَن الشُّهرةِ والصَّخَبِ. يقولُ (برتراند راسل): «الحياةُ السَّعيدةُ يجبُ أنْ تكونَ إلى حدِّ كبيرٍ حياةً هادئةً، لأنَّ المَرحَ لَا يُمكنُ أنْ يستمرَّ إلَّا في جوٍّ مِن الهُدوءِ». ويؤكِّدُ (أرسطو) علَى أنَّ فضيلةَ التأمُّلِ هِي الفضيلةُ العُظمَى التِي تُحقِّقُ للإنسانِ الفاضِلِ أخلاقيًّا أقصَى درجاتِ السَّعادةِ والحُرِّيَّةِ، فأولئكَ الذِينَ يسعُوْنَ لِمعرفةِ العالَمِ والحصولِ على المُتعِ الفِكريَّةِ، يتحصَّلُونَ على أوفرِ قِسطٍ مِن السَّعادةِ.

وفي جَدِّهِ للحصولِ علَى نصيبهِ مِن السَّعادةِ، يتعلَّمُ الإنسانُ أنَّ سَعادَتهُ الفرديَّةَ تكادُ تكونُ مُستحيلةً مع غيابِ السَّعادةِ الجَمعيَّةِ، فالنَّاسُ مُرتبطُونَ بِبعضِهم بِصورةٍ أوْ بأُخْرَى، وهُم يتشارَكُونَ الابتهاجَ والفَرحَ مثلَمَا يتشاركُونَ الشَّجَنَ والتَّرحَ. لكنَّ مُحاولاتِ الإنسانِ انتزاعَ التَّقديرَ والاهتمامَ والرِّضَا مِن النَّاسِ، مِن الأوهامِ المُضلِّلةِ والمُكبِّلةِ لهُ عَن الشُّعورِ بالانشراحِ والسُّرورِ، وعليهِ أنْ يُحاولَ التحرُّرَ منهَا للحصولِ علَى أكبرِ قدْرٍ من الطُّمأنينةِ والسَّكينةِ.


وختامًا، حينَ ينامُ الإنسانُ نومةً هادئةً عميقةً هنيئةً، يُمكنه فَهمَ سرَّ السَّعادةِ الكبيرةِ التِي يشتملُ عليهَا غيابُ الوعيِ وانحسارُ الإدراكِ.. فالنَّومُ رحمةٌ كُبْرَى ونِعمةٌ عُظمَى.. وعَن نفسِي، أُفضِّلُ فرحةَ النَّومِ وغبطةَ غيابِ الإدراكِ، وسَعادةَ الأحلامِ المُثيرةِ!.

أخبار ذات صلة

حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
الحُب والتربية النبوية
;
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح
كأس نادي الصقور.. ختامها مسك
;
المدينـة النائمـة
كتاب التمكين الصحي.. منهج للوعي
الإسلام.. الدِّيانة الأُولى في 2060م
ما لا يرضاه الغرب للعرب!
;
العمل الخيري الصحي.. في ظل رؤية 2030
القمة العربية الإسلامية.. قوة وحدة القرارات
يا صبر عدنان !!
احذروا البخور!!