كتاب

العنف المنزلي.. قنبلة موقوتة تهدد المجتمع

كثيرًا ما نشاهدُ علَى شاشاتِ الفضائيَّاتِ والصحفِ، وعلى وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ قصصًا مؤلمةً تُدمي الفؤادَ، عن حالاتٍ من العنفِ الأُسريِّ، الذِي يمارسهُ البعضُ ضدَّ أفرادِ أسرتِهِ، لأسبابٍ غريبةٍ ودوافعَ لا تقنعُ أحدًا؛ لأنَّها غيرُ منطقيَّةٍ، حتَّى وإنْ تظاهرَ مرتكبُوهَا بأنَّهُم كانُوا يهدفُونَ إلى تأديبِ الضَّحايَا، وتقويمِ تصرفاتِهِم، فالتَّقويمُ لا يمكنُ أنْ يكونَ عَن طريقِ العُنفِ والإساءةِ، وإهانةِ الكرامةِ، وتحقيرِ النَّفسِ التِي كرَّمهَا اللهُ -سبحانَهُ وتعالَى- حتَّى يصلَ الأمرُ إلى الوفاةِ تحتَ التَّعذيبِ.

والحمدُ للهِ، فإنَّ مجتمعنَا السعوديَّ لا يزالُ مُعَافًى -إلى حدٍّ كبيرٍ- مِن مثلِ هذهِ الحالاتِ، نسبةً للتربيةِ التِي نشأَ عليهَا غالبيَّةُ أفرادِهِ، فنحنُ مجتمعٌ لا زالَ يحافظُ علَى ترابطِهِ، نتيجةً لتربيةِ أفرادِهِ علَى مبادئِ الدِّينِ الإسلاميِّ، وتأثرهِم بأحكامِهِ، والتقاليدِ العربيَّةِ الأصيلةِ التِي تدعُو للرَّحمةِ بالأبناءِ والزَّوجاتِ.


ولأنَّنا مجتمعٌ يقومٌ علَى قِيمِ التَّراحمِ والتَّعاطفِ، فقدْ بادرتِ الدولةُ إلى اتِّخاذِ خُطواتٍ حاسمةٍ لتوفيرِ الحمايةِ للقاصرِينَ والأطفالِ، وأجازتْ مِن القوانِين مَا يكفِي لحمايتِهِم، وجعلتْ ممارسةَ العُنفِ بحقِّهِم جريمةً تستوجبُ العقاب، بغضِّ النظرِ عَن الدوافعِ أو مكانةِ المعتدِي. وهناكَ فِي المنظومةِ القضائيَّةِ السعوديَّةِ العديدُ مِن الأجهزةِ المختصَّةِ بمثلِ هذهِ الحالاتِ، حيثُ تتعاملُ معهَا بمنتهَى الحزمِ والوضوحِ.

نعمْ، لسنَا مجتمعًا من الملائكةِ، فنحنُ بشرٌ مثلنَا مثل الآخرِينَ، ونتأثَّرُ بمَا يدورُ حولنَا سلبًا أو إيجابًا، ونؤثِّرُ فِي الآخرِينَ، لكنْ لدينَا قِيمٌ راسخةٌ توارثنَاهَا عَن آبائِنَا وأجدادِنَا، ولا زالَ كثيرُونَ منَّا يسيرُونَ عليهَا ويتمسَّكُونَ بهَا.


ومعَ وقوعِ بعضِ حالاتِ العُنفِ فِي مناطقَ متعدِّدةٍ فِي السَّابقِ، إلَّا أنَّ هذهِ التجاوزاتِ -رغمَ أنَّها لمْ تبلغْ مرحلةَ الظَّاهرةِ- استدعتْ تدخلَ الأجهزةِ المعنيَّةِ، ففِي حالاتٍ كثيرةٍ تحرَّكتِ النيابةُ العامَّةُ بالسُّرعةِ المطلوبةِ، وقامتْ بتوقيفِ الذِينَ ظهرُوا فِي مقاطعَ مصوَّرةٍ وهُم يمارسُونَ أنواعًا مِن العُنفِ بحقِّ أفرادِ عائلاتِهِم، وأحالتهُم إلى التحقيقِ بواسطةِ الجهاتِ المختصَّةِ؛ لأنَّ مَا اقترفُوه يمثِّلُ مخالفاتٍ واضحةً للقوانِينِ والأنظمةِ.

ويشيرُ كثيرٌ مِن المختصِّينَ إلى أنَّ هذهِ المشكلةَ ترتبطُ بالمفاهيمِ فِي المقامِ الأوَّل؛ لأنَّ كثيرًا مِن الذِينَ ارتكبُوا هذهِ التجاوزاتِ كانُوا يظنُّونَ أنَّهُم يُحسنُونَ صُنعًا بضحَايَاهُم، سواءٌ كانُوا أبناءَهُم، أوْ زوجاتِهِم، وكانُوا يريدُونَ تأديبَهُم، لكنَّهم لمْ يدركُوا أنَّ الإيذاءَ والعُنفَ لمْ يكنْ يومًا وسيلةً للتربيةِ السليمةِ. والآثار السيئة التِي يتركهَا لنْ تُمحَى مِن ذاكرةِ الضَّحايَا. وهنَا تبدُو الحاجةُ لتصويبِ المفاهيمِ وتوضيحِ الحقائقِ؛ لأنَّ الأخطاءَ الناتجةَ عَن مفاهيمَ مغلوطةٍ لَا يمكنُ تصحيحهَا إلَّا بزيادةِ الوعيِ وتفنيدِ الأوهامِ.

ويكمنُ وجهُ الخطورةِ فِي أنَّ حالاتِ العُنفِ المنزليِّ تجدُ تسليطًا عاليًا مِن الأضواءِ عليهَا، وتركِّزُ عليهَا المواقعُ الإخباريَّةُ والقنواتُ الفضائيَّةُ التِي تبرزُ كلَّ تفاصيلِهَا بالصَّوتِ والصُّورةِ، وهُو مَا قدْ يدفعُ بعضَ النَّاسِ لتقليدِهَا؛ لاسيَّمَا فِي هذَا العصرِ الذِي نعيشهُ، والذِي يشهدُ ثورةَ الاتِّصالاتِ، حيثُ يتجوَّلُ الإنسانُ فِي العالمِ كلِّهِ عَن طريقِ كبسةِ زرٍ بواسطةِ جهازِ الهاتفِ المحمولِ وغيرِهِ مِن الأجهزةِ الذَّكيَّةِ.

لذلك، فإننا نحتاج إلى حملة توعوية على كافة المستويات، تشارك فيها وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وذلك نسبة لما تتمتع به من قوة كبيرة في توجيه المجتمعات، والتأثير على الناس، وكذلك المؤثرين على وسائل التواصل الذين يحظون بنسبة متابعة واسعة، إضافة لخطباء المساجد وأئمتها، والدعاة، وكافة الشخصيات العامة، للتوعية بخطورة هذه الظاهرة والتحذير منها، وإظهار تعارضها مع تعاليم الإسلام ومبادئ الرجولة.

كمَا أقترحُ تضمينَ موادَّ ضمنِ المناهجِ الدراسيَّةِ؛ حتَّى يتشبَّعَ الطُّلابُ بقيمِ التربيةِ الحديثةِ منذُ سنينِهم الأُولَى، وهُو مَا يضمنُ لنَا أنْ تكونَ الأجيالُ المقبلةُ معافاةً مِن هذهِ المشكلةِ.

ولمَن أكرمَهُم اللهُ بنعمةِ القوامةِ علَى أبنائِهِم وزوجاتِهِم أقولُ: إنَّ هذهِ مسؤوليَّةٌ كبيرةٌ، وإنَّنَا مسؤولُونَ عنهَا ومساءَلُونَ أمامَ اللهِ تعالَى، فهؤلاء أمانةٌ ملقاةٌ علَى عاتقِنَا، ينبغِي أنْ نُحسِنَ التَّعاملَ معهَا، وفقَ الهَدَي النبويِّ الشَّريفِ، فرسولُنَا الكريمُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- لمْ يُعرَفْ عَنهُ أنَّهُ عَنَّفَ طِفلًا أوْ امْرأةً، وكانَ يعاملُهُم باللِّينِ والعَطفِ ولمْ يُخيَّرْ بينَ أمرَينِ إلَّا اختارَ أيسرهُمَا.

أخبار ذات صلة

«ملهِّي» يُسدِّد مخالفات قبيلته.. فبادرُوا
سموتيريتش وإسرائيل الكُبْرَى..!!
يوم الكهرباء
البرامج الجامعية القصيرة مبادرة غير مسبوقة
;
وقفات عند مقولة بحيري: «الإسلام قطعة من اللؤلؤ في بحر من الطين»!
تنمية وتعزيز سلوك الكذب!!
أجل نحن الحجاز.. ونحن نجد
سوسة النخيل
;
التَّنقيب عن المستور!!
ندوة ومؤتمر (عالمية المكانة).. والمسؤولية الوطنية
المعونات الخارجية.. قوة شراء أم قوة ناعمة؟!
قصة «قصيدة» عقوق الابن لأبيه!!
;
لماذا يجب دعم مشروع التقويم المدرسي.. وكيف؟!
حالة !!
أعلام في ذاكرة التاريخ
الولاء للمنظومة.. سر نجاحها