كتاب

الجمعيات العمومية.. بين موافق وغير موافق

‏تسنَّى لِي حضورُ الجمعيَّةِ العموميَّةِ عَن عامِ 2023م للشركةِ التِي أنتمِي إليهَا كمساهمةٍ.. ‏وهِي إحدَى كُبْرَى شركاتِ الحَجِّ، مِن حيثُ ‏تاريخهَا العريقِ فِي استقطابِ ملايين مِن الحجَّاجِ، وصلُوا فِي إحدَى السنواتِ إلى أكثر من ٥٠٠ ألفِ حاجٍّ، ‏أي حوالَى ‫ثُلثِ حجَّاجِ بيتِ اللهِ الحرامِ.. ‬بلْ هِي مِن أكبرِ الشركاتِ لمَا تمتلكهُ مِن أصولٍ ورثتهَا مِن (نظامِ المؤسساتِ)، حيثُ القيادةُ التِي حفرتْ فِي ‏الصَّخرِ لتوفيرِ مبنى إداريٍّ يستوعبُ أنشطتَهَا، ومبنى استثماريٍّ ليكونَ داعمًا للمساهمِينَ، ورفع حاليًّا مِن قيمةِ الشركةِ إلى ملياراتٍ من الريالاتِ.

‏ولأنَّ من خصائصِ الجمعياتِ العموميَّةِ، الرقابةَ علَى حساباتِ الشركةِ حسبَ (المادةِ 21) من نظامِ الشركاتِ، «للمساهمِينَ حقُّ الرقابةِ علَى حساباتِ الشركةِ؛ وفقًا للأحكامِ المنصوصِ عليهَا في النِّظامِ، وعقدِ تأسيسِ الشركةِ أو نظامِهَا الأساسِ».


وهذَا يتطلَّبُ الاطِّلاع علَى القوائمِ الماليةِ التِي عرضتهَا الشركةُ مشكورةً فِي موقعِهَا الإلكترونيِّ مِن بابِ الشفافيَّةِ، والتِي اطَّلعَ عليهَا المساهمُونَ والمساهماتُ، وكانتْ لديهِم وجهاتُ نظرٍ ‏متباينةٌ ‏وآراءٌ متحفظةٌ مِن بعضِهِم؛ ‏لأنَّ اللهَ خلقَ الاختلافَ بينَ النَّاسِ رحمةً بهِم، ولتحقيقِ غاياتٍ كُبْرَى.

إلَّا أنَّه -للأسفِ- ظهرَ البعض الذِينَ شمَّرُوا عَن سواعدِهِم لتأييدِ المجلسِ فِي كلِّ مَا قدَّم فِي القوائمِ الماليَّةِ، ومصادرةِ حقِّ الآخرِينَ فِي التَّعبيرِ عَن آرائِهِم، بلْ واعتبارهِم -زُورًا- أنَّهم مضللُونَ؛ فظهرَ منهُم مَن نصَّبَ ‏نفسَهُ محاميًا عَن مجلسِ الإدارةِ، وأخذَ فِي إذاعةِ رسائلَ صوتيَّةٍ بحوالَى ‫نصفِ ساعةٍ بأسلوبٍ لَا توجدُ بهِ أيُّ أدلَّةٍ أو إثباتاتٍ، ‏بلْ تدينهُ، خاصَّةً حينمَا صرَّحَ بأنَّ الشركةَ ستبيعُ أحدَ الأصولِ، والذِي كلَّفَ (٢٩٧ مليونَ ريالٍ)، ‏فكيفَ تبيعُ الشركةُ هذَا الأصلَ دونَ علمِ المساهمِينَ؟! ‏وفِي ‏تسجيلٍ آخرَ أنَّ الجمعيَّةَ العموميَّةَ أمرهَا محسومٌ! ‏بمعنَى صوَّتُم ‏بـ(موافقٍ)، أو (غيرِ موافقٍ)، فكلُّ شيءٍ مُنْتَهٍ!! ومثلُ هذَا التصريحِ يثيرُ الرِّيبةَ والشَّكَّ.. ‏فهلْ هناكَ -مثلًا- تلاعبٌ فِي نتيجةِ التَّصويتِ أمْ ماذَا؟! ‏خاصَّةً بعدَ سماعِ خبرِ إلغاءِ وزارةِ التجارةِ ‏التصويتَ فِي انتخاباتِ غرفةِ الرياضِ، وإعادةِ التَّصويتِ؛ نظرًا لاكتشافِ وجودِ تلاعبٍ! ‬وإذَا كنتَ لابُدَّ أنْ تتحدَّثَ أيُّهَا الفاضلُ: فحدِّثنَا -مثلًا- عَن معيارِ نجاحِ الشركةِ؛ هلْ ارتفعتْ قيمةُ الإيراداتِ عَن العامِ الماضِي؟ وبالتَّالِي ارتفاع قيمةِ السَّهمِ؟.. حدِّثنَا عَن المشروعاتِ الاستثماريَّةِ الجديدةِ، وليسَ التشغيليَّة؟.. ‏حدِّثنَا عَن الإبقاءِ علَى العملاءِ القدماءِ وكسبِ ولائِهم.. حدِّثنَا عَن الإعلانِ للمساهمِينَ لتجهيزِ المشاعرِ المقدَّسةِ، وليسَ قَصر ذلكَ علَى أقاربَ ومعارفَ للمجلسِ.. ‏حدِّثنَا عَن الارتفاعِ المتوقَّعِ للعامِ ٢٠٢٤م ‏فِي العوائدِ والدَّخلِ.!‬‬‏كمَا كانتْ هناكَ شخصيَّةٌ أُخْرى نصَّبتْ نفسَهَا متحدِّثةً إعلاميَّةً عَن الشركةِ ونقلِ أقوالٍ وأخبارٍ تُنبئُ عَن تواصلٍ معَ المجلسِ دونَ المساهمِينَ الآخرِينَ، فِي الوقتِ الذِي يشدِّدُ فيهِ رئيسُ المجلسِ والعضوُ المنتدبُ أنَّه ليسَ هناكَ تفضيلٌ لبعضِ المساهمِينَ عَن الآخرِينَ.. إذنْ كيفَ وصلتْ لهُ الأخبارُ؟!


‏وممَّا زادَ الطينَ بلةً، دخولُ أحدِ المتطفِّلِينَ -من غيرِ المساهمِينَ- بالدِّفاعِ عَن المجلسِ، بلْ والاستهزاءِ بالمساهمِينَ بأسلوبٍ يُنبئُ عَن شخصيَّةٍ مهترئةٍ، ‏ورغمَ ذلكَ لمْ يَرُد عليهِ أحدٌ مِن المساهمِينَ حتَّى لَا يصلُوا إلى مستواهُ.

‏هؤلاء جميعًا يجهلُونَ أنَّ هناكَ أنماطًا مِن الشخصيَّةِ حسبَ مقياسِ هيرمان، ‏سأتناولُ بعضًا منهَا حسبَ الوضعِ، فهناكَ شخصياتٌ تحليليَّةٌ: ويعملُونَ بالتَّدقيقِ بالتفاصيلِ والحقائقِ والأرقامِ، والبحثِ عَن مصدرٍ، وهؤلاء يحتاجُونَ إلى إقناعٍ قويٍّ، ومِن حقِّهِم الاستفسارُ، ومِن واجبِ رئيسِ المجلسِ الرَّد علَى استفساراتِهِم؛ سواءٌ عَن مبالغَ كبيرةٍ رُصدتْ في الاستثمارِ ولمْ توضعْ فِي القوائمِ الماليَّةِ؟ أو سواءٌ عمَّا ذكرَهُ المحاسبُ القانونيُّ مِن الرَّأيِ المتحفَظِ، ‏أو عَن تغييرِ القيمةِ العادلةِ عَن عقاراتٍ، أو عَن أسبابِ ارتفاعِ المصروفاتِ العموميَّةِ والإداريَّةِ.. أو غيرِهَا.

فلماذا هناك مجموعة تصادر هذا الحق، وتكون مؤيدة -عمياناً- ‏للمجلس؟!.. ‏إنهم فئة (المشاعريين)، ‏وهم من أنماط الشخصية الذين تتحكم فيهم مشاعرهم، ويعبرون عن أحاسيسهم، وبعضهم من البسطاء الذين يهتمون بمصالح خاصة ونظرتهم محدودة للأمور.

وآخرون يكيلون المدح للمجلس، والرسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يقول: (‏حثُّوا فِي وجهِ المدَّاحِينَ التُّرابَ)، لما يحصل من الحظوة عند مَن تم مدحهم ‏ومصالح خاصة، سواء تكريمهم ودعوتهم للحفلات، وإعطاء مراكز خدمة لأبنائهم، ‏وتوظيف أقاربهم.

وحقيقةً، كانَ لقاءُ الجمعيَّة العموميَّة شاملًا، وردَّ الرئيسُ علَى كثيرٍ من الأسئلةِ كانَ وافيًا، وكانَ هناكَ إقناعٌ للبعضِ.. ولكنْ لا زالتْ هناكَ فئةٌ لمْ تقتنعْ وتريد إيضاحاتٍ أكثرَ.. وهذَا مِن حقِّهَا، ولكنْ -للأسفِ- ‏عدمُ فتحِ الميكرفون لا يسمحُ بالمناقشةِ، فمثلًا قولُ الرئيسِ: (إنَّ إهلاكَ المبنَى الاستثماريِّ 40 عامًا)، والتقييمَ لهُ، كانَ للأرضِ فقطْ!! وهذهِ مصيبةٌ!! فعمرُ المبنَى لا يزيدُ عَن 16 عامًا منذُ بدءِ وضعِ حجرِ الأساسِ فيهِ، وغيرهَا مِن الأمورِ التِي تحتاجُ إلى مناقشةٍ تفصيليَّةٍ، فالتاريخُ موثَّقٌ والنَّاسُ أحياءٌ.

‏وبالرغمِ مِن أنَّ التصويتَ بـ»مُوافقٍ» وصلَ إلى (72 - 75٪)، حصلَ ‏(غيرُ مُوافقٍ) تقريبًا علَى 25%، وهِي نسبةٌ تُنبئُ بوجهةِ نظرٍ أُخْرَى يجبُ احترامُهَا، ‏فلماذَا مصادرةُ هذَا الحقِّ؟!.

أخبار ذات صلة

«ملهِّي» يُسدِّد مخالفات قبيلته.. فبادرُوا
سموتيريتش وإسرائيل الكُبْرَى..!!
يوم الكهرباء
البرامج الجامعية القصيرة مبادرة غير مسبوقة
;
وقفات عند مقولة بحيري: «الإسلام قطعة من اللؤلؤ في بحر من الطين»!
تنمية وتعزيز سلوك الكذب!!
أجل نحن الحجاز.. ونحن نجد
سوسة النخيل
;
التَّنقيب عن المستور!!
ندوة ومؤتمر (عالمية المكانة).. والمسؤولية الوطنية
المعونات الخارجية.. قوة شراء أم قوة ناعمة؟!
قصة «قصيدة» عقوق الابن لأبيه!!
;
لماذا يجب دعم مشروع التقويم المدرسي.. وكيف؟!
حالة !!
أعلام في ذاكرة التاريخ
الولاء للمنظومة.. سر نجاحها