كتاب

البقاء لمن؟!

مهمَا تغيَّرتِ المجتمعاتُ، وتغيَّرت كثيرٌ مِن النُّظمِ الاجتماعيَّةِ، إلَّا أنَّ قِيمَ الفضيلةِ، أو القِيمَ الفاضلةَ تظلُّ ثابتةً فِي كلِّ زمانٍ ومكانٍ، كذلكَ هِي الدَّاعمُ الأكثرُ ثباتًا لنجاحِ وتطوُّرِ وتقدُّمِ الفردِ والمجتمعِ، مهمَا بَدَا فِي الظَّاهرِ خلالَ الصِّراعِ مِن أجلِ البقاءِ بأنَّ أساليبَ الاحتيالِ والكيدِ والإفسادِ، أو الابتذالِ هِي دعائمُ الوصولِ، أو القوَّةِ، أو البقاءِ، أوْ أنَّ البقاءَ لمَن يتبعُ إحدَى تلكَ الوسائلِ منفردةً أو مجتمعةً، إلَّا أنَّه لَا يصحُّ إلَّا الصَّحيحُ، فـ»أَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ».

منهجٌ ربانيٌّ ثابتٌ لَا يتغيَّرُ، القِيمُ الفاضلةُ هِي التِي تمكثُ فِي الأرضِ؛ لأنَّهَا هِي التِي تنفعُ النَّاسَ، لكنْ كلُّ الأساليبِ الأُخْرى التِي يتبعُهَا المرضَى والفاشلُونَ والمعتوهُونَ للوصولِ السَّريعِ، والسَّيرِ فوقَ رقابِ العبادِ، ربَّما تُكسبهُم شيئًا قليلًا؛ غوايةً لعقولِهِم ليمارسُوا الصعودَ إلى الهاويةِ.


الصِّراعُ بينَ الأجيالِ فِي كلِّ حقبةٍ زمنيَّةٍ، عندمَا يشتدُّ عودُ الجيلِ الجديدِ، ويمتلكُ مهاراتٍ جديدةً، بينمَا يتقدَّمُ العُمرُ بالجيلِ السَّابقِ، ويحاولُ مجاراةَ المتغيِّراتِ الكثيرةِ التِي تقتحمُ المجتمعَ والحياةَ، ويُصابُ بالهلعِ مِن تغيُّرِ الأخلاقِ والقِيمِ، ينصِّبُ نفسَهُ حارسًا عليهَا، بينمَا يحاولُ الجيلُ الجديدُ التقدَّمَ بمَا يملكهُ من مهاراتٍ مستخدمًا كافَّة السُّبلِ للوصولِ إلى القمَّةِ، أو إزاحةِ مَن يقفُ عائقًا أمامَهُ، فارضًا عليهِ قِيمًا أخلاقيَّةً تغيَّرتْ في ظاهرِهَا، لكنَّ جوهرَهَا مستقرٌّ لَا يمسُّهُ التَّغييرُ.

هذَا مَا يؤجِّجُ مَا يُطلقُ عليهِ «صِراع الأجيالِ»، حيثُ يمتلكُ الشبابُ مهاراتٍ مناسبةً لأعمارِهِم وعصرِهِم، بينمَا يمتلكُ الكبارُ الخبرةَ والتجربةَ، وكثيرًا مِن القِيمِ؛ التِي تضيعُ مِن بعضِ الشبابِ المندفعِ بقوَّةٍ لتحقيقِ الشهرةِ، أو المكانةِ الإعلاميَّةِ، أو الاجتماعيَّةِ مِن خلالِ «الطموحِ الأعمَى»، الذِي وضعَ عنوانًا لأحدِ المسلسلاتِ التركيَّةِ علَى نتفليكس «Netflix»، والذِي يطرحُ كثيرًا مِن قضايَا الإعلامِ والمجتمعِ والتقنيةِ، بالإضافةِ إلى كثيرٍ مِن المشاهدِ الحسيَّةِ التِي أصبحتْ سمةً مِن سماتِ مسلسلاتِ تلكَ المنصَّةِ التلفزيونيَّةِ.


الطموحُ الأعمَى ليسَ مرتبطًا بالشَّبابِ، بلْ هُو مرضٌ سلوكيٌّ يُصابُ بِهِ بعضُ الأشخاصِ الذِينَ يضعُونَ أعينَهُم علَى مكانةِ، أو منصبِ آخرِينَ، ولديهِم قدرةٌ علَى التملُّقِ، وأساليبِ الخِداعِ، وتدبيرِ المكائدِ؛ لإسقاطِ أو إفشالِ الآخر، واحتلالِ مكانتِهِ أو منزلتِهِ؛ ولأنهم أولئك القادمون الجدد، الذين لا يضعون القيم الأخلاقية ضمن معايير التقدم، وربما يفتقدون الخبرة أو الثقافة والعلاقات الاجتماعية؛ يبحثون عن قالب أو قوالب هشة ربما ترضى جمهورهم أو المسؤولين عن القطاع الذي يعملون فيه، لكن الغرور والخواء سرعان ما يسقطهم ويزيحهم من المشهد.

فِي مسلسلِ «الطموح الأعمَى»، تتمكَّنُ صحفيَّةٌ شابَّةٌ مِن الدخولِ إلى قناةٍ تلفزيونيَّةٍ كمتدرِّبةٍ بالحيلةِ، كمَا أنَّها تتقرَّبُ مِن مقدِّمةِ البرنامجِ الرئيس المشهورةِ، والتِي تحرصُ علَى علاقتِهَا بأسرتِهَا وبنتَيهَا، حيثُ تغلقُ هاتفهَا تمامًا، وتتفرَّغُ لقضاءِ الوقتِ معهُم عندمَا تنتهِي مِن عملِهَا، كذلكَ استطاعتْ بذكائِهَا وعلاقاتِهَا وثقافتِهَا أنْ تحقِّقَ النجاحَ فِي برنامجِهَا المسائِيِّ كلَّ ليلةٍ.

تلكَ الشَّابَّةُ المتدرِّبةُ توغَّلتْ فِي حياةِ المشهورةِ، عرفتْ كلَّ شيءٍ عنهَا، استطاعتِ الاقترابَ منهَا حتَّى أصبحتْ مساعدتهَا، وبدأتْ فِي تدميرِهَا، وتدميرِ علاقتِهَا بزوجِهَا، وبثِّ الشكوكِ فِي رأسهِ حولَ علاقةِ زوجتِهِ بمنتجِ البرنامجِ، ثمَّ تشتيتِ انتباهِ المذيعةِ وهِي علَى الهواءِ عندمَا تتحدَّثُ بصوتٍ عالٍ، وكأنَّهَا تتحدَّثُ معَ ابنةِ المذيعةِ، والكثير من المكائدِ، حتَّى انخفضتْ نسبةُ مشاهدةِ البرنامجِ، وتمَّ الاستغناءُ عَن المذيعةِ. وُضِعَت المساعدةُ مكانَهَا، ولكنَّ خبرتَهَا صفرٌ، بدأتْ بافتعالِ بعضِ الحركاتِ المتحرِّرةِ علَى الشَّاشةِ لرفعِ نسبةِ المشاهدةِ.

أحداثٌ كثيرةٌ تتدفَّقُ خلالَ المسلسلِ، حتَّى وصولِ تلكَ الطموحةِ إلى الحضيضِ، لَا أحدَ يقفُ بجوارِهَا إلَّا تلكَ المذيعةُ الكبيرةُ الحريصةُ علَى الفضيلةِ والقِيمِ الأخلاقيَّةِ التِي اتبعتهَا فِي مشوارِهَا إلى القمَّةِ، وعودتهَا مرَّةُ أُخْرَى إلى القمَّةِ، بينمَا عادتِ الطموحةِ إلى قريتِهَا ومنزلِهَا الفقيرِ، لكنَّ القلبَ الكبيرَ لَا يتركُهَا فِي الحضيضِ، بلْ تمدُّ لهَا يدَهَا مرَّةً أُخْرَى لترفعَهَا، شعارُهَا البقاءُ للفضيلةِ!.

أخبار ذات صلة

«ملهِّي» يُسدِّد مخالفات قبيلته.. فبادرُوا
سموتيريتش وإسرائيل الكُبْرَى..!!
يوم الكهرباء
البرامج الجامعية القصيرة مبادرة غير مسبوقة
;
وقفات عند مقولة بحيري: «الإسلام قطعة من اللؤلؤ في بحر من الطين»!
تنمية وتعزيز سلوك الكذب!!
أجل نحن الحجاز.. ونحن نجد
سوسة النخيل
;
التَّنقيب عن المستور!!
ندوة ومؤتمر (عالمية المكانة).. والمسؤولية الوطنية
المعونات الخارجية.. قوة شراء أم قوة ناعمة؟!
قصة «قصيدة» عقوق الابن لأبيه!!
;
لماذا يجب دعم مشروع التقويم المدرسي.. وكيف؟!
حالة !!
أعلام في ذاكرة التاريخ
الولاء للمنظومة.. سر نجاحها