كتاب

لوحة فنية عند باب المسجد

حدَّثنا مصباح بن موسى قال: كنتُ يومًا من الأيام في إحدى القرى، وحان وقت صلاة الجمعة، وقبل أنْ تصلَ رجلي عتبة باب المسجد، لاحظتُ تلك الأكوام من الأحذية المتناثرة والمتراكمة، منها الأبيض والأسود، والبُني والرَّمادي، والغالي والرخيص، والجديد والقديم، ومنها ذات فتحة واحدة من الأمام تمرُّ منها جميع أصابع القدمين مرورًا سلسًا ميسورًا، ومنها ذات كوَّة صغيرة بأصبع واحد، يتلكأ صاحبها من ضيق الإدخال والإخراج، وفي مقابل تلك الأكوام المبعثرة، رأيتُ بما يملأ حدقة عينيَّ الصَّغيرتَين صندوقًا أنيقًا مصحوبًا بمدرجات متساوية الأرفف بالمقامات والأطوال، وهي خالية الوفاض من عناء حمل الأحذية المتراكمة.. فتساءلتُ في نفسي: لماذا هذا الصندوق الأهبل مرتكزًا لا يبارح مكانه، فكأنَّه مغضوبٌ عليه، أو كأنَّه رجسٌ من عمل الشَّياطين، وقد أبى -لا بارك الله فيه- على المصلِّين وضع أحذيتهم على رفٍّ من رفوفه؟!

وأنا في ذلك الخاطر، التفت يُمنةً ويُسرةً، وعيني كالرَّادار تمسح المكان، أرقب حدقات المارِّين والدَّاخلين حتَّى اطمأنت نفسي، وهدأ روعي، ثمَّ استقرَّ بي الرأي استقرار العازم على أنْ أقوم بصناعة خلطة مشكلة؛ ليصبح أمامي تشكيلة قوامها تلك الأحذية، لكي تستحيل إلى لوحة فنيَّة مكسوَّة بكل نوع، ولون، وطيف، وحجم، وشكل، وأنا أهمُّ بفعلتي الشَّنعاء، وعصارة تفكيري الأرعن، قائم على هذا الرأي؛ تخيَّلتُ -وفي داخلي حنق مكظوم، وضحك مكتوم- اندفاع المصلِّين أفرادًا وجماعاتٍ، كبارًا وصغارًا؛ للخروج كعادتهم مسرعين مهرولين من باب المسجد، فذاك يشكر (لقد وهب لنا لوحة متعددة الأطياف)، ثمَّ أخرج جوَّاله من جيبه، وضغط على أيقونة التَّصوير، وهو يتمتم في داخله: (ستكون هذه الصورة حديث مواقع التواصل)، وذاك يستنكر ويذم: (مَن فعل هذا بأحذيتنا؟ فهو سربوت، وداشر، وصائع عديم التربية)، وثالث يقول: (ما أحد ربَّاه، لو ربَّاهُ أهلُه كان دخل يصلِّي بدل ما يعبث بنعالنا)، ورابع يتمم بصوت خافت بالاحتساب والحوقلة: (حسبنا الله ونعم الوكيل)، و(لا حول ولا قوة إلَّا بالله)، وخامس يدعو بكل ما يأتي على طرف لسانه، ويخطر بباله، واثنان آخران يتهامسان فيما بينهما: (عرفته إنَّه ولد فلان بن فلان.. أعرفه ولد خائب، شفته يفحِّط بسيارة أبيه قبل الصلاة، وأمس رأيته حول المسجد كأنَّه ثعبان يحوم على فريسته، والإمام يصلي صلاة العشاء، وصوت الأغاني آذت المصلِّين والجيران..)، ردَّ صاحبه: (ولد قَهِروا فيه المدرسة، وأهل القرية قهروا منه، وأبوه مسكين ما خلَّى شيئًا إلَّا وسواه، مرَّة عند شيخ يقرأ عليه، ومرة عند كهل يكويه).


وأنا في ذلك الخبال من التخييل والتصوير: مخضتُ رأسي مخضًا كما تمخض جدتنا اللَّبن، وقلَّبتُ الفكرة في رأسي تقليبًا كما يُقلَّب البيض على الصَّاج، فتعوَّذتُ من همزات الشيطان الرجيم ونفثه، ثمَّ أخرجت رجلاي المحشورتَينِ حشرًا في «كندرتِي» البالية، فلمَّا وطئت عتبة المسجد، وتقدَّمت بضع خطوات للبحث عن مكان لتحيَّة المسجد، تذكَّرت الصندوق برفوفه، ونسيتُ أنْ أضع «كندرتي» في واحد منها، وسرحتُ في كيفيَّة تأمين مبلغ لشراء واحدة جديدة؛ عوضًا عن تلك التي عاشرتها بضع سنواتٍ.

أخبار ذات صلة

حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
الحُب والتربية النبوية
;
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح
كأس نادي الصقور.. ختامها مسك
;
المدينـة النائمـة
كتاب التمكين الصحي.. منهج للوعي
الإسلام.. الدِّيانة الأُولى في 2060م
ما لا يرضاه الغرب للعرب!
;
العمل الخيري الصحي.. في ظل رؤية 2030
القمة العربية الإسلامية.. قوة وحدة القرارات
يا صبر عدنان !!
احذروا البخور!!