كتاب
شهادة ضائعة و«فَرْشَة» بالشماغ..!!
تاريخ النشر: 25 أغسطس 2024 23:27 KSA
كُنْتُ في السنةِ الرابعةِ مِن المرحلةِ الابتدائيَّةِ فِي مدرسةِ ابن خلدون بمدينةِ الطَّائفِ، أيّ كانَ عمرِي ١٠ سنواتٍ، يعنِي مُقتبلَ الشبابِ، وهو العمرُ الذِي يبكِي عليهِ الرِّجالُ حُزْنًا علَى استحالةِ عودتِهِ، وصدقَ أبو العتاهيةِ حينَ قالَ:
بَكَيْتُ عَلَى الشَّبابِ بِدَمْعِ عَينِي
فلمْ يُغْنِ البُكاءُ وَلَا النَّحيبُ
فيَا ليتَ الشَّبابَ يعودُ يومًا
لأُخْبِرَهُ بمَا فَعَلَ المَشِيبُ
وكانتْ مدارسنَا تُعطِي شهاداتٍ ورقيَّةً بدايةَ كلِّ شهرٍ للطُلَّاب، وفيهَا نتائجهُم للموادِّ الدراسيَّةِ، ليطَّلعَ عليهَا أولياءُ أمورِهِم ويُوقُّعونَ عليهَا دليلًا علَى معرفتِهِم بمستوَى أبنائِهِم، والرَّاسبُونَ هُم مَن رُسِمَتْ دوائرُ حمراءُ حولَ نتائجِ بعضِ موادِّهِم، عكسَ الناجحِينَ، وكانتْ أُمِّي -يرحمُهَا اللهُ- تقولُ لِي حينَ أقْدُمُ عليهَا أوَّل الشَّهرِ: (ورِّينِي) شهادتكَ، فأُريهَا إيَّاها فتقولُ: الحمدُ للهِ، مَا فِي دوائرُ!.
وذاتَ شهرٍ استلمْتُ شهادتِي، وكُنْتُ ناجحًا بلَا دوائرَ، فمضيْتُ مشْيًا إلى البيتِ، وفِي الطريقِ صادفْتُ أقرانًا لِي يلعبُونَ الكرةَ، فوضعْتُ حقيبتِي علَى الأرضِ بجانبِ أحدِ المنازلِ وبجوارِهَا الشهادةُ التِي كانتْ كبيرةً ولا تتَّسعُ لهَا حقيبتِي، ولعِبْتُ معهُم قليلًا، ثمَّ انطلقْتُ للبيتِ ومعَي الحقيبةُ فقطْ دونَ الشهادةِ!.
وفِي البيتِ أردْتُ أنْ أُرِِي أبِي -يرحمهُ اللهُ- الشهادةَ، فتذكَّرْتُ نسيانَهَا، فقفلْتُ راجعًا لمكانِ اللعبِ بسرعةِ غُزلانِ وادِي وِجٍّ فِي الطَّائفِ حينَ كانَ يجرِي عليهِ ماءُ المطرِ مثل النَّهرِ، فلمْ أجدْهَا، لكنِّي لمْ أجدْ بأسًا مِن أبِي إذْ اكتفَى بالقولِ: طالمَا أنَّكَ ناجحٌ فلَا مشكلةَ، اذهبْ للمدرسةِ غدًا واطلبْ مِن مُعلِّمكَ شهادةً بدلَ فاقدٍ!.
وقدْ فعلْتُ، فغضِبَ المُعلِّمُ، وأبلغَ المُديرَ الذِي بعثَ مُراقبَ المدرسةِ واسمهُ (علي القرني)، وفِي يدهِ باكورةٌ، وطلبَ منِّي أمامَ الطُلَّابِ أنْ أستلقِي بظهرِي علَى الأرضِ، وربطَ قدميَّ بشماغِي مُستعينًا بطالبَيْنِ هُما الأقوَى فِي فصلِي، وتلَا بيانًا، وكأنَّني جانٍّ فِي ساحةِ القصاصِ بأنَّني أضعْتُ الشهادةَ، ووجبَ العقابُ، ثمَّ فَرَشَنِي بالباكورةِ علَى قدميَّ حتَّى صارتَا حمراويتَيْنِ عكسَ شهادتِي الخاليةِ مِن الدَّوائرِ الحمراء، وأنَا أبكِي، ومَا حيلةُ فتَى فِي العاشرةِ مِن عمرِهِ غيرَ بُكاءٍ.
وصدرتِ الشهادةُ بدلَ الفاقدِ، وبالطَّبعِ لمْ أضيِّعهَا هِي والتِي بعدَهَا، وأجدنِي أتساءَلُ الآنَ: هلْ تتحمَّلُ أجيالُنَا الحاليَّةُ صرامةً تربويَّةً وتعليميَّةً كالتِي تحمَّلنَاهَا نحنُ؟ وجعلتنَا نقفُ للمُعلِّمِ ونُوفِّهِ التَّبجيلَا؟ ونكتسبُ تحمُّل المسؤوليَّةِ والعقابِ؟.
قصَّةٌ حقيقيَّةٌ أقصُّهَا لطُلَّابِنَا، وهُم يبدأُونَ عامَهُم الدراسيَّ فِي أجواءٍ نموذجيَّةٍ، ومنْع الضربِ المدرسيِّ، قدْ وفَّرتهَا الدولةُ، فهلَّا استغلُّوهَا للتَّحصيلِ والإبداعِ؟!
بَكَيْتُ عَلَى الشَّبابِ بِدَمْعِ عَينِي
فلمْ يُغْنِ البُكاءُ وَلَا النَّحيبُ
فيَا ليتَ الشَّبابَ يعودُ يومًا
لأُخْبِرَهُ بمَا فَعَلَ المَشِيبُ
وكانتْ مدارسنَا تُعطِي شهاداتٍ ورقيَّةً بدايةَ كلِّ شهرٍ للطُلَّاب، وفيهَا نتائجهُم للموادِّ الدراسيَّةِ، ليطَّلعَ عليهَا أولياءُ أمورِهِم ويُوقُّعونَ عليهَا دليلًا علَى معرفتِهِم بمستوَى أبنائِهِم، والرَّاسبُونَ هُم مَن رُسِمَتْ دوائرُ حمراءُ حولَ نتائجِ بعضِ موادِّهِم، عكسَ الناجحِينَ، وكانتْ أُمِّي -يرحمُهَا اللهُ- تقولُ لِي حينَ أقْدُمُ عليهَا أوَّل الشَّهرِ: (ورِّينِي) شهادتكَ، فأُريهَا إيَّاها فتقولُ: الحمدُ للهِ، مَا فِي دوائرُ!.
وذاتَ شهرٍ استلمْتُ شهادتِي، وكُنْتُ ناجحًا بلَا دوائرَ، فمضيْتُ مشْيًا إلى البيتِ، وفِي الطريقِ صادفْتُ أقرانًا لِي يلعبُونَ الكرةَ، فوضعْتُ حقيبتِي علَى الأرضِ بجانبِ أحدِ المنازلِ وبجوارِهَا الشهادةُ التِي كانتْ كبيرةً ولا تتَّسعُ لهَا حقيبتِي، ولعِبْتُ معهُم قليلًا، ثمَّ انطلقْتُ للبيتِ ومعَي الحقيبةُ فقطْ دونَ الشهادةِ!.
وفِي البيتِ أردْتُ أنْ أُرِِي أبِي -يرحمهُ اللهُ- الشهادةَ، فتذكَّرْتُ نسيانَهَا، فقفلْتُ راجعًا لمكانِ اللعبِ بسرعةِ غُزلانِ وادِي وِجٍّ فِي الطَّائفِ حينَ كانَ يجرِي عليهِ ماءُ المطرِ مثل النَّهرِ، فلمْ أجدْهَا، لكنِّي لمْ أجدْ بأسًا مِن أبِي إذْ اكتفَى بالقولِ: طالمَا أنَّكَ ناجحٌ فلَا مشكلةَ، اذهبْ للمدرسةِ غدًا واطلبْ مِن مُعلِّمكَ شهادةً بدلَ فاقدٍ!.
وقدْ فعلْتُ، فغضِبَ المُعلِّمُ، وأبلغَ المُديرَ الذِي بعثَ مُراقبَ المدرسةِ واسمهُ (علي القرني)، وفِي يدهِ باكورةٌ، وطلبَ منِّي أمامَ الطُلَّابِ أنْ أستلقِي بظهرِي علَى الأرضِ، وربطَ قدميَّ بشماغِي مُستعينًا بطالبَيْنِ هُما الأقوَى فِي فصلِي، وتلَا بيانًا، وكأنَّني جانٍّ فِي ساحةِ القصاصِ بأنَّني أضعْتُ الشهادةَ، ووجبَ العقابُ، ثمَّ فَرَشَنِي بالباكورةِ علَى قدميَّ حتَّى صارتَا حمراويتَيْنِ عكسَ شهادتِي الخاليةِ مِن الدَّوائرِ الحمراء، وأنَا أبكِي، ومَا حيلةُ فتَى فِي العاشرةِ مِن عمرِهِ غيرَ بُكاءٍ.
وصدرتِ الشهادةُ بدلَ الفاقدِ، وبالطَّبعِ لمْ أضيِّعهَا هِي والتِي بعدَهَا، وأجدنِي أتساءَلُ الآنَ: هلْ تتحمَّلُ أجيالُنَا الحاليَّةُ صرامةً تربويَّةً وتعليميَّةً كالتِي تحمَّلنَاهَا نحنُ؟ وجعلتنَا نقفُ للمُعلِّمِ ونُوفِّهِ التَّبجيلَا؟ ونكتسبُ تحمُّل المسؤوليَّةِ والعقابِ؟.
قصَّةٌ حقيقيَّةٌ أقصُّهَا لطُلَّابِنَا، وهُم يبدأُونَ عامَهُم الدراسيَّ فِي أجواءٍ نموذجيَّةٍ، ومنْع الضربِ المدرسيِّ، قدْ وفَّرتهَا الدولةُ، فهلَّا استغلُّوهَا للتَّحصيلِ والإبداعِ؟!