كتاب

أنظمة وضوابط لتداول أسهم «الطوافة»!

‏كتبتُ مقالًا سابقًا بعنوان: (التَّنافسيَّة.. وحريَّة السُّؤالِ في نظامِ الشَّركاتِ)، أوضحتُ فيهِ بعضَ مراحلِ مهنةِ الطوافةِ، التي كانتْ متنوِّعةً، ومنهَا الوصولُ إلى مرحلةِ (حريَّة السُّؤالِ)، والتي بموجبِهَا أصبحَ الحاجُّ يذهبُ للمطوِّفِ الذي يرغبُ بهِ، وليسَ هناكَ تخصيصٌ.. وكيفَ كانَ المطوِّفُونَ يعانُونَ في الترويجِ لخدماتِهم؛ سواءٌ عَن طريقِ عملاءَ وسماسرةٍ يُطالبُونَ بدفعِ مبالغَ كبيرةٍ؛ مقابلَ إحضارِ الحجَّاجِ؛ ممَّا قد يُعرِّضُ المطوِّفَ لخسارةٍ كبيرةٍ.

‏ولعلِّي أتحدَّثُ اليومَ عَن معاناةِ الكثيرِ مِن المطوِّفِينَ الآخرِينَ؛ ‏الذِينَ كانُوا يعتمدُونَ علَى أنفسِهِم بالسَّفرِ لبلادِ الحجَّاجِ، والترويجِ لخدماتِهِم، ويبذلُونَ أموالًا طائلةً فِي السَّفرِ والتَّنقُّلِ والإقامةِ لعدَّةِ شهورٍ فِي بلادِ الحجَّاجِ؛ لكسبِ ثقتِهِم، وتكوينِ صداقاتٍ وصفقاتِ ولاءٍ غيرِ مكتوبةٍ، ويأتِي الحجَّاجُ باسمِ المطوِّفِ فِي الموسمِ التَّالِي، ويكونُ الوفاءُ بالعهدِ مِن شِيَمِهِم وقِيمِهِم.. وربَّمَا يأتِي بعضُ الحجَّاجِ الفقراءِ الذِينَ لَا يملكُونَ دفعَ تكاليفِ الحجِّ؛ فيقومُ المطوِّفُ -بدافعِ حُبِّهِ للمهنةِ- بدفعِ بقيَّةِ التَّكاليفِ، وهذَا كانَ يُسمَّى -فِي تلكَ الفترةِ- بـ(الرزقِ الغيبيِّ)، إذْ إنَّ مَا يُقدِّمهُ المطوِّفُ مِن خدماتٍ مجانيَّةٍ للحاجِّ الفقيرِ، سيُعوِّضهُ اللهُ مِن الحاجِّ الغنيِّ.


‏حتَّى إذَا جاءتْ مرحلةٌ أُخْرَى وهِي (مرحلةُ التَّوزيعِ)، وإلغاءُ عمليَّةِ السؤالِ، ووضعُ ضوابطَ بموجبِ متوسِّطِ عددِ الحجَّاجِ لكلِّ مطوِّفٍ للسَّنواتِ (٩٢- ٩٣- ٩٤)، وذلكَ بقرارٍ مِن وزارةِ الحجِّ؛ بحيثُ يتمُّ حصرُ عددِ حجَّاجٍ معيَّنٍ لكلِّ مطوِّفٍ فِي تلكَ السَّنواتِ، وبناءً عليهِ تُعطَى مصلحتهُ، ولكنْ إذَا زادَ العددُ عَن المتوسِّطِ، لا يُعطَى شيءٌ علَى الزِِّيادةِ، بلْ عليهِ خدمتهُم دونَ أيِّ مقابلٍ.. وهذَا كانَ فيهِ الكثيرُ مِن المشقَّةِ والجهدِ، والتَّعبِ والأموالِ التِي تُصرَفُ علَى الحجَّاجِ.

‏ثمَّ ظهرتْ بعدَ ذلكَ تنظيماتٌ إداريَّةٌ أُخْرَى فِي عامِ ١٣٩٨، وكانَ منهَا الجمعُ بينَ نظامِ السُّؤالِ والتَّوزيعِ، وذلكَ لإعطاءِ حريَّةٍ للحاجِّ بالسُّؤالِ عَن المطوِّفِ الذِي يرغبهُ، ولكنْ حسبَ عددِ المتوسِّطِ المعتمَدِ لهُ، وفِي نفسِ الجنسيَّةِ المخصَّصةِ لهُ، وحسبَ المصلحةِ المحدَّدةِ. وبهذَا نرَى أنَّ هناكَ تكاليفَ كبيرةً، وجهودًا مضنيةً كانتْ تُصرَفُ لإحضارِ الحجَّاجِ.


‏والآنَ، وفِي ظلِّ نظامِ مقدِّمِي خدماتِ حجَّاجِ الخارجِ، ومَا تبعهَا مِن الرَّسملةِ والهيكلةِ، وتحوُّلِ النِّظامِ إلى شركاتِ الحجِّ، وبموجبِ ذلكَ تحوَّلتْ إيراداتُ الحجَّاجِ إلَى أسهمٍ ومبالغَ ماليةٍ، تُمثِّلُ رأسمالِ الشَّركةِ، وتختلفُ مِن شركةٍ إلى أُخْرَى.

‏ولأنَّ نظامَ مقدِّمِي الخدماتِ وفِي (مادَّتهِ السَّادسةِ - فقرة 7)، تنصُّ علَى: «يجوزُ لأربابِ الطوائفِ بيعُ أسهمِهِم فِي شركاتِ أربابِ الطوائفِ بعدَ مضيِّ سنتَينِ مِن تأسيسِهَا، وخلالَ مدَّةِ الحظرِ.. علَى أنْ تقتصرَ عمليَّةُ البَّيعِ خلالَ تلكَ الفترةِ علَى المؤسِّسِينَ».

‏وقدْ وجدنَا إحدَى شركاتِ الحجِّ قدْ بدأتْ فعلًا فِي التَّداولِ الدَّاخليِّ بينَ المساهمِينَ، ولكنْ بدونِ وضعِ ضوابطَ، وإنِّمَا تُركَ الحبلُ علَى الغاربِ، بالرغمِ مِن نزولِ قيمةِ الشركةِ خلالَ عدَّةِ شهورٍ، إلَّا أنَّ تقييمَ السَّهمِ الرَّسميِّ كحدٍّ أدنَى كانَ (115.49 ريالًا)، حيثُ إنَّ هذَا التقييمَ يُمثِّلُ القيمةَ العادلةَ للسَّهمِ، ومعَ ذلكَ تُركتْ حريَّة التَّفاوضِ بينَ المساهمِينَ بدونِ ضوابطَ، حيثُ أنشأتْ مجموعاتِ «واتس أب» للتَّداولِ الداخليِّ، وبعدَ أنْ كانتْ قيمةُ السهمِ فِي البدايةِ (2000 ريالٍ)، نزلتْ قيمتهُ إلَى ٣٥ ريالًا!! هذَا فضلًا عَن بيعِ الأسهمِ بطرقٍ ملتويةٍ عَن طريقِ وكلاءَ مُتَخفِّينَ لمَن هُم خارج مؤسِّسي الشركةِ، ومخالفةِ النظامِ، والتلاعبِ بمقدَّراتِ ومكتسباتِ الأجدادِ والآباءِ، حيثُ إنَّ السَّهمَ يمثِّلُ الحاجَّ فِي الماضِي، والذِي أُنفقَ عليهِ الآلافُ مِن الريالاتِ، فكيفَ يصلُ سعرُ السَّهمِ إلى (35- 45 ريالًا)؟، مستغلِّينَ حاجةَ الفقراءِ والأيتامِ والأراملِ، ‏والبيع بأبخسِ الأثمانِ لمَن هُم خارج الشركةِ، وصفقاتٍ غيرِ معلنةٍ!! في الوقتِ الذِي يتدثَّرُ بعضُ مشرفِي المجموعاتِ بثوبِ الفضيلةِ والأمانةِ والعدلِ، وهُم أبعدُ مَا يكونُونَ عنهَا!.

ولكنَّ السُّؤالَ: كمْ مِن الأسهمِ قدْ خرجتْ مِن الشركةِ إلى عملاءَ مُتخفِّينَ فِي ظلِّ مساهمِينَ؟!.

‏والسُّؤالُ: لماذَا لَا يخضعُ التداولُ الداخليُّ أيضًا إلى ضوابطَ محدَّدةٍ وشروطٍ، بحيثُ لَا يقلُّ البيعُ عَن الحدِّ الأدنَى مِن تقييمِ الشركةِ.. حتَّى لَا تحدثُ عملياتُ الخداعِ وخسفُ قيمةِ السَّهمِ، وضرورةُ التأكدِ مِن سلامةِ العمليَّاتِ التِي يُدارُ بهَا التَّداولُ الداخليُّ.

وإذا كانت وزارة التجارة قد أحالت 44 منشأة إلى النيابة العامة؛ لتنظيمها مسابقات وتخفيضات دون الحصول على ترخيص، وتطبيق العقوبات النظامية، وفقًا لأحكام النظام ومكافحة الغش التجاري.. فلماذا لا تضع أنظمة وضوابط للتداول الداخلي ومراقبة العمليات؛ حتى لا تحدث عمليات الغش، بل وفرض غرامات مالية على كل من يكتشف بأنه يمارس البيع لخارج المؤسسين، بل ضرورة تدخل الجهات الرسمية لفحص وتدقيق آلية وضوابط عملية البيع والشراء، وخاصة الصفقات غير المعلنة، والتي قد يترتب عليها خروج مساهمين من الشركة نهائياً ببيعهم كافة أسهمهم!!.

أخبار ذات صلة

الإدمان (الجديد)!
البصلة الإنجيليَّة والقشرة الصهيونيَّة!!
الموسيقى.. البعد الرابع!
«سيلين ديون» أيقونة الحياة
;
هيئة البحث والمشاركة في دعم أبحاث السرطان
من يتبرع بجزء من أملاكه لرؤية البحر؟
(آيفي).. جامعات رابطة (اللبلاب) الأمريكية
يوم الثلاثاء.. وصبيحة الجمعة
;
الصيدليات.. خارج النص!
لا تسرق.. لا تخف!
هاجس الوظيفة.. ونجاح العمل
المملكة.. وموقفها المشرِّف من حرب غزة ولبنان
;
جائزة للمعلِّم من أهالي المدينة
ملامح السعودية
الجودة في عصر التقنيات المتقدمة
سقط المتاع ما خفي أعظم!