كتاب

حلاوة الرحمة واللطف

معَ تَطَوُّرِ المُجْتَمعَاتِ الحَضارِيَّةِ المدَنِيَّةِ، كانَ تَكْرِيسُ مفْهُومِ العَقْدِ الاجْتِماعِيِّ، وضَبطُ السُّلُوكِيَّاتِ البَشرِيَّةِ، وَدَعْمُ القَوَانِينِ المُنَظِّمَةِ لِشُؤُونِ النَّاسِ، أُمُورًا فِي غَايةِ الأهمِّيَّةِ، لكنَّهَا لا تُغْنِي وحْدَها عن وازِعِ الأَخلاقِ كالرَّحمَةِ، بِوصْفِها مُبادرَةً إِنْسانِيَّةً نبِيلَةً تُشيرُ إلى سَلامةِ الإحْسَاسِ بالآخرِينَ ويَقَظةِ الضَّميرِ.

وأجِدُنِي مُتَّفِقًا معَ الدُّكتُورِ (عَبْدالجبَّارِ الرِّفَاعيِّ) في رأْيهِ أنَّ الإِنْسانَ لَيسَ رَحيمًا بِالطَّبعِ، بل يَنزعُ للتَّسلُّطِ والاسْتِحْواذِ على غَيرهِ، والرَّحْمةُ حَالةٌ لا يَسْتوْعِبُها الكائِنُ البَشرِيُّ، ولا يَتَّصِفُ بِها بِيُسْرٍ، إِذ إِنَّ نَزَعَاتِ العُدْوانِيَّةِ تَترسَّبُ في أعْمَاقِ هذا الكائِنِ، وهُوَ يقُولُ: «الرَّحْمَةُ صَوْتُ اللهِ، ومِعْيَارُ إِنْسانِيَّةِ الدِّينِ.. الرَّحْمةُ بُوصلَةٌ تُوجِّهُ أهْدَافَ الدِّينِ، فَكُلُّ دِينٍ مُفْرَغٍ مِن الرَّحْمَةِ يَفْتَقِدُ رسالَتَهُ الإِنْسانِيَّةَ، ويَفْتَقِرُ إِلى الطَّاقةِ المُلْهِمَةِ لِإِيقاظِ رُوحِ وقَلْبِ وضَميرِ الكائِنِ البَشَريِّ».


وفِي هذا السِّياقِ، أَقْتَبِسُ لِلعَارِفِ بِاللهِ الدُّكْتُورِ (مُصْطَفى مَحمود) قَولًا هُوَ الأَقْرَبُ إلى وِجْدانِي ومَشَاعِرِي حوْلَ الرَّحْمَةِ الإِنْسَانِيَّةِ: «الرَّحْمَةُ أَعمَقُ مِنَ الحُبِّ، وَأَصْفى وَأَطْهرُ، والرَّحْمةُ عاطِفَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ راقِيَةٌ مُرَكَّبَةٌ، ففِيهَا الحُبُّ، وفِيهَا التَّضْحيَةُ، وفِيهَا إِنْكارُ الذَّاتِ، وفِيهَا التَّسَامُحُ، وفِيهَا العَطْفُ، وفِيهَا العَفْوُ، وفيهَا الكرَمُ.. وَكُلُّنا قادِرُونَ على الحُبِّ بِحُكْمِ الجِبِلَّةِ البَشرِيَّةِ.. وقلِيلٌ مِنَّا هُمُ القادِرُونَ على الرَّحْمَةِ».

إنَّ الطَّريقَ إلى اللهِ لَيْسَ مُعَبَّدًا، بَلْ مَحْفُوفٌ بِالامْتِحاناتِ والتَّمحِيصِ والابتِلاءَاتِ.. الرَّحْمَةُ والحُبُّ والتَّواضُعُ، وسَائِلُنَا لِلْمَسيرِ والوصُولِ إِلى اللهِ تَعَالَى. وكُلَّمَا ازْدادَ نَصِيبُكَ مِنَ الرَّحْمَةِ واللُّطْفِ، ازْدَادَتْ فُرصَتُكَ في النَّجَاةِ. يَقولُ الرِّوائِيُّ البِريطَانيُّ (رُوَالد دَال): «أعتَقِدُ أنَّ اللُّطْفَ هي الصِّفةُ الأَساسِيَّةُ الَّتِي يَجبُ أَنْ يتَمتَّعَ بِها الإنْسَانُ، أنَا أَضعُهَا في المُقدِّمةِ، قَبْلَ الشَّجَاعةِ أَو الكرَمِ، أو أَيِّ شَيْءٍ آخَرَ».


وقد تكُونُ وَحِيدًا مُتَفرِّدًا في مَشاعِرِكَ، أو تَعيشُ في كبسُولةٍ مُنْفصِلةٍ عنِ الآخَرِينَ.. وكذلِكَ قد يَكُونُ الآخَرُونَ.. كُنْ لَطِيفًا فحَسْبُ في كُلِّ أَحْوالِكَ معَ النَّاسِ، ولا تَعجَزْ.. ثُمَّ اسْألِ اللهَ اللُّطْفَ والطُّمأْنينَةَ. فاللُّطْفُ، أَساسُ جَمالِ الحَياةِ، ومَظهَرُهُ الرَّحْمَةُ تُجاهَ مُعَاناةِ النَّاسِ ومآسِي العالَمِ، وحِين تَرَى صَديقَكَ مُحْبَطًا، ذَكِّرْهُ بِإِنجَازاتِهِ، وقُدُرَاتِهِ، ومَواهِبِهِ، وصِفاتِهِ الجَيِّدةِ.. امْدَحْهُ كثيرًا بِما يَليقُ بِهِ، كُنْ مَعَهُ واخْتَرْ كلِمَاتِكَ بِلباقَةٍ ورَأْفَةٍ ولُطْفٍ.. كُلُّنَا ذلِكَ الشَّخْصُ.. جَمِيعُنَا نَحتَاجُ الشُّعُورَ بِقيمَتِنَا أَمامَ أَنْفُسِنَا والنَّاسِ، مَهْمَا كانَ فِينَا مِنَ المَعايِبِ والقُصُورِ.. وأخيرًا، «الرَّحْمَةُ حُلْوَةٌ»!.

أخبار ذات صلة

حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
الحُب والتربية النبوية
;
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح
كأس نادي الصقور.. ختامها مسك
;
المدينـة النائمـة
كتاب التمكين الصحي.. منهج للوعي
الإسلام.. الدِّيانة الأُولى في 2060م
ما لا يرضاه الغرب للعرب!
;
العمل الخيري الصحي.. في ظل رؤية 2030
القمة العربية الإسلامية.. قوة وحدة القرارات
يا صبر عدنان !!
احذروا البخور!!