كتاب

قصة «قصيدة» عقوق الابن لأبيه!!

تُعدُّ قصيدةُ: (غذوتكَ مولودًا وَعُلتُكَ يافِعًا)، واحدةً مِن أجملِ القصائدِ الشعريَّةِ التِي نظَّمهَا الشَّاعرُ الجاهليُّ «أميَّة بن عبدالله أبي الصلت» مِن أهلِ ثقيفٍ بالطَّائفٍ، لمَا تحتويِهِ مِن العِبرِ والدروسِ والقِيمِ الأدبيَّةِ، التِي يمكنُ استخلاصُهَا مِن خلالِ الكلماتِ، والمفرداتِ المكوِّنة لهَا.

القصيدةُ جاءتْ فِي عتابِ ولدٍ لهُ كانَ عاقًّا، يعاتبُ فيهَا الشَّاعرُ «أميَّة الصلت» ابنَه العاقَّ بأسلوبٍ رائعٍ وجميلٍ، فيهِ الكثيرُ مِن الحزنِ ودمعِ العَينِ؛ يبدأُ الشَّاعرُ قصيدتَهُ بوصفِ مقدارِ مَا قدَّمهُ لابنِهِ منذُ أنْ كانَ صغيرًا حتَّى غدَا شابًّا، صوَّر الشَّاعرُ نفسَهُ كالشجرةِ التِي تُعطِي الثِّمارَ فينهلُ منهَا الابنُ مرَّةً تلوَ أُخْرى، فِي وصفهِ للعطاءِ المستمرِّ الذِي لا ينقطعُ، فالأبُ يُعتبرُ موردًا عذبًا لا ينقطعُ عطاؤهُ لأبنائِهِ مِن ولادتِهِم إلَى أنْ يصبحُوا شبابًا يافعِينَ.


بين الشاعر «أمية» في هذه القصيدة مدى صعوبة ومرارة العقوق، على الرغم من كل الجهود والتضحيات التي يقدمها الأب في حياة ولده، وبعد ذلك كان الجزاء هو النكران والعقوق وسوء المعاملة، لدرجة أن الشاعر «أمية» تمنى من ولده العاق أن يجازيه بالمثل، وأن يكون خير ولد له يبره ويحسن معاملته.

وبالإضافةِ إلى العطاءِ الماديِّ، لمْ يبخلِ الأبُ بالعطاءِ المعنويِّ، وتقديمِ الدعمِ والمساندةِ، فتراهُ يشاركُ ابنَهُ فِي أفراحِهِ وأتراحِهِ، ولَا يستطيعُ الخلودَ إلى الراحةِ فِي حالةِ إصابةِ ابنهِ بأيِّ سوءٍ أو مرضٍ، ولكنَّ الابنَ لمَّا بلغَ الرُّشدَ راحَ يتعاملُ معَ والدِهِ بأسلوبٍ فظٍّ غليظٍ غيرِ مقبولٍ.


وفِي أحدِ أبياتِ القصيدةِ تمنَّى الشَّاعرُ مِن ولدهِ أنْ يعاملَهُ -علَى أقلِ تقديرٍ- كمعاملةِ الجارِ لجارِهِ؛ وهُنَا بعضٌ مِن أبياتِ هذهِ القصيدةِ الجميلةِ:

غذوَتُكَ مولودًا وَعُلتُكَ يافِعًا

تُعَلُّ بِمَا أُحنيَ عَلكَ وَتَنهلُ

إذا لَيلَةُ نابَتكَ بِالشَكوِ لَم

أَبِتْ لِشَكواكَ إِلَّا ساهِرًا أتمَلمَلُ

كَأَنِّي أَنَا المَطروقُ دونَكَ بِالذِي

طُرِقتَ بِهِ دُونِي فَعَينايَ تَهمُلُ

تَخافُ الرَدَى نَفسِي عَلَيكَ وَإنَّنِي

لأَعلَمُ أنَّ المَوتَ حَتمٌ مُؤَجَّلُ

فَلمَّا بَلغتَ السِّنَّ وَالغايَةَ الَّتِي

إليهَا مَدَى مَا كُنتُ فيكَ أُؤَمِلُ

جَعَلتَ جَزائِي غِلظَةً وَفَظاظَةً

كَأَنَّكَ أنتَ المُنعِمُ المُتَفَضِلُ

فَلَيتَكَ إذْ لَم تَرعَ حَقَّ أُبوَتِي

فَعَلتَ كَمَا الجارُ المُجاورُ يَفعَلُ!!

لقدْ تمكَّنَ الشَّاعرُ «أميَّة» مِن تصويرِ عمليَّةِ عقوقِ ابنهِ فِي لوحةٍ شعريَّةٍ بالغةِ الجمالِ، مفعمةٍ بالمشاعرِ والأحاسيسِ، وظلَّتْ أبياتُ هذهِ القصيدةِ تتردَّدُ علَى الألسنِ منذُ نظمَهَا إلَى يومِنَا هذَا.

أخبار ذات صلة

«ملهِّي» يُسدِّد مخالفات قبيلته.. فبادرُوا
سموتيريتش وإسرائيل الكُبْرَى..!!
يوم الكهرباء
البرامج الجامعية القصيرة مبادرة غير مسبوقة
;
وقفات عند مقولة بحيري: «الإسلام قطعة من اللؤلؤ في بحر من الطين»!
تنمية وتعزيز سلوك الكذب!!
أجل نحن الحجاز.. ونحن نجد
سوسة النخيل
;
التَّنقيب عن المستور!!
ندوة ومؤتمر (عالمية المكانة).. والمسؤولية الوطنية
المعونات الخارجية.. قوة شراء أم قوة ناعمة؟!
لماذا يجب دعم مشروع التقويم المدرسي.. وكيف؟!
;
حالة !!
أعلام في ذاكرة التاريخ
الولاء للمنظومة.. سر نجاحها
الإدارة بالمكائد!!