كتاب

عظــــــــــام

الحمد لله أنني من المحظوظين الذين تشرفوا بمهنة التدريس، وقد استمتعت بأكثر من نصف عمري في مجال التعلم وتعليم العمران، وما أجمله من مشوار.. وما أروع طلبتي.. وفي ذلك المجال تطرقنا لموضوع مواد البناء بشكل أو بآخر.. الإسمنت، والأخشاب، والمعادن، والزجاج، والقرميد، والطين، والرمل.. كلها من نعم الله العظيمة التي شكلت العالم حولنا.. ولكنني في وسط الانشغال بتلك البيئة الغنية بالخصائص المختلفة؛ لم أعطِ الاهتمام الكافي واللائق بأهم وأجمل مادة بناء في الكون بأكمله.. وبالرغم أنني كسرت ثلاثة ضلوع خلال السنوات الماضية، وبالرغم من سوء تفاهم بيني وبين أحد فقرات عامودي الفقري مما تطلب عملية جراحية.. وكانت للترميم والتهذيب للفقرات.. بالرغم من كل هذا لم أنتبه للعظام كأروع مادة بناء.. وفي داخلكم أفلا تبصرون.. الموضوع باختصار هو أن عظامنا هي أفضل مادة بناء على الإطلاق.. ولا تقارن بأي كم من المواد الأخرى، وإليكم التعليل: خلال هذه الأيام التي تنخفض فيها درجات الحرارة، ستلاحظ أن نشاط البعوض سيزداد، وبالذات بداخل منازلنا.. وأكيد أنك ستظفر بقتل ناموسة.. وستلاحظ أن بعد ضربها الضربة القاضية، سيتغير شكلها تماماً، وإحدى أهم تلك الأسباب هي أن هيكلها خارجيا، وقارن هذا بهياكلنا الداخلية.. هيكل البعوضة يمنحها بمشيئة الله خفة الوزن، والاقتصاد في الحجم، والحماية الكلية، وفضلا لاحظ أن هندسة الطائرات تقلد هذه الفلسفة في إنشائها.. بينما ستجد أن هياكلنا داخلية، ومخفية، وأنها أقوى وأثقل، ولكنها أجمل في تفاصيلها.. بداخلك الآن حوالى 206 عظمة.. وأكيد أنك تعتز بكل منها، علماً بأننا وُلِدنا بحوالى 260 عظمة.. أكبرها عظمة الفخذ، وأصغرها بداخل الأذن.. والكثير منها التحمت أثناء النمو.. وبشكل عام، كلنا نعرف ملمس العظام، وقوته، وشكله، فنحن من آكلي اللحوم، ويستهلك كل منَّا في المتوسط حوالي أربعين دجاجة سنوياً.. ومكونات العظام بشكل عام مذهلة، ومن أهمها مادة اسمها في غاية الروعة وهو «هيدروكسي أباتايت».. وهو معدن غير عضوي أساسي لتكوين العظام والأسنان، وهو من مصادر الكالسيوم بداخلنا.. واسمه مشتقاً من كلمة «أباتيت» الألمانية بمعنى «الخادعة».. لأنها حيرت العلماء في اكتشافها بنهاية القرن التاسع عشر.. ويتشكل المعدن من كريستالات جميلة طويلة.. ولابد من ذكر إحدى أهم خصائص العظام، وهي أن الله أكرمنا بمعجزة بداخل كل عظمة، وهي أن الكريستلات المذكورة أعلاه تولد كهرباء عندما تكبس عليها الأحمال، يعني الضغوط تولد بعض من الكهرباء.. وتسمى «بيتزو».. والكلمة يونانية ومعناها عصر أو ضغط.. تخيل كهرباء مصدرها العصر بداخل العظام.. والخصائص الإعجازية هنا هي أن الضغوط على العظام، حتى وإن كانت بسيطة من خلال المشي أو التمارين الخفيفة تولد الكهرباء لتسمح بضخ الكالسيوم وتقوية العظام.. وأود أن أعرج على إحدى أهم التحديات التي يواجهها كبار السن؛ الذين لا يتحركون كثيرا.. ونتائج ضعف العظام بسبب ذلك.. وبالمناسبة فهذه هي إحدى المخاطر الرئيسة التي تواجه رواد الفضاء في رحلاتهم الطويلة.

تفوّق العظام كمادة بناء ينعكس في خصائصه المذهلة من قوته، ووزنه، واقتصاديات بناءه، وتشكيله، ومقاومته للضغوط والمخاطر، وطول عمره، وكونه من أهم البنوك للخيرات بداخلنا.. وهناك المزيد في مقالات قادمة إن شاء الله.


* أمنيـــــــة:

وزن العظام بداخل جسمك هو حوالى عشرة كيلوجرامات، وحجمه كافيا لوضعه بداخل «زنبيل كبير» أو كرتون ماء.. فضلا تخيل كمية عظام ضحايا الحرب على المدنيين في غزة، الذين وصل عددهم إلى حوالى أربعة وأربعين ألف إنسان.. أتمنى أن يتذكر العالم أنه حتى لو تم «فبركة» أرقام الضحايا، فستبقى بصمة العظام كشاهد على البطش الذي لا يقبل به الضمير، ولا يُرضي الله، وهو من وراء القصد.

أخبار ذات صلة

حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
الحُب والتربية النبوية
;
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح
كأس نادي الصقور.. ختامها مسك
;
المدينـة النائمـة
كتاب التمكين الصحي.. منهج للوعي
الإسلام.. الدِّيانة الأُولى في 2060م
ما لا يرضاه الغرب للعرب!
;
العمل الخيري الصحي.. في ظل رؤية 2030
القمة العربية الإسلامية.. قوة وحدة القرارات
يا صبر عدنان !!
احذروا البخور!!