كتاب

حتى أنت يا بروتوس؟!

تقول الحكاية: تصنف لحظة اغتيال القيصر يوليوس، بأنها أبشع وأقبح عملية اغتيال تاريخيه، كانت لحظة عصيبة حين خانه كل من وثق بهم يوماً، حين اتفقوا وانهالوا عليه وسط الاجتماع بالطعنات النافذة، وقيصر ما زال يترنح واقفاً من هول الصدمة، حتى رأى صديق عمره بروتوس ومشى نحوه، مضرجاً بدمائه، وفي عينيه نظرة رجاء أخيرة، معتقدا أنه جاء لينقذه، لكنه هو الآخر طعنه، هنا قال يوليوس قيصر جملته الشهيرة: حتى أنت يا بروتوس! ثم سقط القيصر ميتاً، لأن طعنة صديق عمره كانت الطعنة القاتلة، بخلاف كل الطعنات الأخرى، فهو لم يطعنه في جسده، وإنما في شخصه!!

في ذاكرة كل أنسان سوي على وجه البسيطة، عملية اغتيال معنوية، نجحت في استهداف وازهاق روحه الاجتماعية، العملية، التجارية، بعد أن ظل صامداً في مواجهة كل المغرضين من حوله، ظاناً بأنهم العقبة الوحيدة، وما أن تجاوزها حتى اكتشف متأخراً أن غريمه الحقيقي ليس عدوه فقط بل حتى»صديق عمره» ، فانهار وسقط متمتماً المقولة الخالدة: «حتى أنت يا بروتوس»!!


لقد واجه ذلك الوريث المسالم: كافة المعوقات الظاهرة، التي كان يظنها لسنوات طويلة السبب الرئيسي وراء تأخير توزيع تركة مورثه النقدية والعينية، مثل؛ صعوبة حصر مدخراته وممتلكاته، استحالة أخذ وكالات من جميع الورثة، وما أن تجاوزها، حتى اكتشف متأخراً أن «أخوه الكبير أو عمه شريك أبيه»، تعمد تأجيل تقسيمها واستنزاف ثروتها، فأنهار وسقط متمتماً: «حتى أنت يا بروتوس»!!

لقد واجه ذلك الموظف المظلوم: كافة التحزبات الشللية والممارسات التطفيشية، التي كان يتعاقب على ارتكابها المشرف الأجنبي والوصوليون والمطبلون بالمنشأة، مثل؛سرقة جهوده، استفزازه، الترصد لزلاته، نقله، استبعاده من العلاوة والترقية، وما أن تجاوزها، حتى اكتشف متأخراً أن»رئيسه المباشر أو مديره ابن بلده»، من تعمد تهميشه وقتل طموحه، فانهار وسقط متمتماً: «حتى أنت يا بروتوس»!!


لقد واجه ذلك التاجر الطامح: تلك البداية المتعسرة، التي عطلت نجاح مشروعه وكبدته خسائر هائلة، ظاناً بأن أسبابها تجارية خالصة، مثل؛ نقص الميزانية، قلة الخبرة التسويقية، ديناميكيات الفريق، مواءمة المنتج مع السوق المستهدفة، وما أن تجاوزها، حتى اكتشف متأخراً أن «زملاء المهنة أو لجنة إجادة» من تعمدوا أحباطه وتعقب هفواته، فانهار وسقط متمتماً: «حتى أنت يا بروتوس»!!

لم تكن حادثة اغتيال القيصر يوليوس، التي وقعت عام 44 ق.م حادثة فريدة، بل غدت أيقونة خالدة، لكل الحوادث التي يكتشف فيها الضحية متأخراً، بأن غريمه الحقيقي لم يكن عدوه فقط بل حتى»صديق عمره»، ومثلما برر «بروتوس» فعلته أمام الجماهير المحتشدة حول جسد يوليوس قيصر المطعون قائلاً «لقد قتلت قيصر ليس لقلة حبي له، بل لأني أحب روما أكثر»، فإن من أزهق روحك الاجتماعية، العملية، التجارية، لن تعجز قريحته عن ابتكار أعذار واهية، مثل: لتنمية أموال التركة، لترشيد مصروفات الشركة، لتنظيم المحال العشوائية، حينها لن تجد تعبيراً تتمتم به أبلغ وأدق من «حتى أنت يا بروتوس»!!

أخبار ذات صلة

حياة جديدة وملهمة بعد الثمانين!
قصَّة غزَّة وعُزيْر..!!
الطائف والمشروعات التنموية
مراكز الأحياء ومرتكزات النجاح
;
بيجـــر
مسميات انحرفت بالأمة وشرمذتها
شيخ خبير خلف مهرجان البحر الأحمر السينمائي
دور البيئة البركانية في العمارة والتاريخ
;
يقول الناس!!
ثقافتنا.. والشركات الاستشارية الأجنبية
أبناؤنا واللغة العربية.. الهوية والإبداع
تعلم اللغة العربية جوهر جودة التعلم
;
أثر (القيلولة).. في تحسن التفكير الإبداعي
بين صيفين!!
سيناريوهات برنارد لويس في العالم الإسلامي
الصمت المُقنع