لفترة امتدت حوالي ربع قرن من الزمن كان ملحق التراث بجريدة المدينة المنورة يشكل جزءا من كينونة هذه الجريدة وأحد روافد العلم والثقافة الإسلامية الرصينة بالنسبة لجمع غفير من طلاب العلم والدراسات العليا ومحبي وعشاق التراث داخل وخارج المملكة ، و كان أشبه بمجمع علمي رائد حيث استكتب عددا كبيرا من العلماء المتخصصين كل يدلي بدلوه في مجاله بحيث تتكامل الصورة وكأن مؤتمرا علميا ينعقد أسبوعيا على صفحات ملحق التراث ، ويكفي أن بعض متابعيه كانوا ينتظرونه بشغف عجيب إلى درجة أنهم قد لا يعرفون عن محتويات الجريدة الأخرى .
يقول صديق العمر الدكتور محمد يعقوب تركستاني المؤسس والمشرف على الملحق أن الهدف الرئيس منه كان تقريب الأجيال الناشئة من التراث العربي الإسلامي وردم الفجوة بينهما ، ولذلك يشعر الآن بألم عميق بعد مرور سنوات طوال على توقف هذا الملحق ويتمنى عودته بالطريقة التي تتناسب ومتغيرات العقول والعصر ، ويؤكد على أن مجموعة كبيرة من الذين كانوا يتعاونون مع الملحق ويتابعونه لديهم استعداد لإعادة الحياة مرة أخرى له ودعمه ليعاود أداء دوره في التعريف بالتراث العلمي والفكري للأمة العربية والإسلامية والذي تتميز به عن معظم أمم الأرض وشعوبها ، لأن تراثها مرتبط بالدين المنزل على النبي الكريم عليه الصلاة والسلام من رب العالمين ، بمعنى أن الاهتمام به وبنشره وتحفيز الناشئة للإطلاع عليه وتقريبه منهم وتقريبهم منه هو خدمة لهذا الدين العظيم الذي نفتخر بانتمائنا إليه بفضل الله ، وأن أي جهد يبذل في سبيل ذلك إنما هو خدمة للإسلام نفسه ولأهله تاريخا وعلما وفكرا.
وانطلاقا من الحديث عن « ملحق التراث « أجد من الضروري تحديد وتوضيح مفهوم» التراث « الذي ندندن عليه ونتغنى به في كل محفل ، خاصة وأن البعض منا قد يحصره في أطر معينة ناسيا أو متناسيا أطرا أخرى غير التي يسلط عليها الضوء ويشغل العالم بها ، وإذا كان للتراث صور معينة في بلاد ومجتمعات أخرى فهل لنا نحن مفهوم مغاير غير ما لديهم ، وإذا كان يوجد ثمة تباين فلماذا وكيف ، وما الهدف من هذا التباين ، هل لمجرد الاختلاف ، أم أن لنا حيثيات وأسبابا لابد لنا من اعتبارها وأن لا ننساق وراء الآخرين باعتبار لنا خصوصية تاريخية وعلمية ومرجعية دينية تضع لنا أطراَ لا يحق لنا الخروج منها والتملص عنها ؟
أضع هذه التساؤلات بين أيديكم قرائي الأعزاء لأنني أشعر كأن ثمة خللا في مفهوم التراث لدى الكثيرين منا خاصة المهتمين بهذا المجال وكثير من الإعلاميين والمثقفين ذوي الصلة به ، فهو في كثير من المواطن والمناسبات ووسائل الإعلام يظهر في صور محددة لا تخرج عن أنواع من الملابس التراثية والأواني البيتية والأدوات الحرفية وبعض الرقصات والأهازيج والأغاني الشعبية ، في حين يتم إغفال جوانب أهم وأكبر شأنا من كل هذا وهو ما كان زميلي وصديقي الدكتور محمد يعقوب مهتما به وحريصا على إبرازه في « ملحق التراث « الذي ندعو اليوم وعبر جريدة المدينة المنورة الرائدة والسباقة إلى إعادة الحياة إليه بثوب معاصر يحقق أهدافه النبيلة ويردم الفجوة بين الناشئة والتراث الإسلامي العظيم فهل تبادر هذه الجريدة الغراء إلى تحقيق هذه الأمنية ؟
للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS
تبدأ بالرمز (66) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى
88591 - Stc
635031 - Mobily
737221 - Zain