Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

هل هناك مستقبل للرأسمالية؟!

يلتقي كل عام عدد من أقوى الشخصيات في العالم وأكثرهم ثراء في (دافوس) السويسرية ضمن لقاءات المنتدى الاقتصادي العالمي لتبادل الأفكار ومناقشة القضايا الهامة فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية في العالم وتوجها

A A
يلتقي كل عام عدد من أقوى الشخصيات في العالم وأكثرهم ثراء في (دافوس) السويسرية ضمن لقاءات المنتدى الاقتصادي العالمي لتبادل الأفكار ومناقشة القضايا الهامة فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية في العالم وتوجهاتها.. والتقى كالعادة خلال الأسبوع الأخير من شهر يناير الماضي حوالى ألفين وخمسمائة من الشخصيات العالمية بمن فيهم العرب والإيرانيون والأفارقة والآسيويون، في لقاء كان من أبرز عناوينه: هل هناك مستقبل للرأسمالية؟! هل هي ملائمة للحياة في القرن الحادي والعشرين؟! إذا كان كذلك كيف ينبغي للرأسمالية أن تتغير كي تتلاءم مع متطلبات العالم المعاصر؟!
كلمة الافتتاح للدورة الحادية والأربعين للمنتدى ألقاها الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف، الذي سعى للفت النظر إلى أن الإرهاب عامل تقويض للنمو الاقتصادي ويتطلب مواجهة عالمية.. وكان يشير بذلك إلى التفجير الذي وقع قبل يومين من انعقاد المؤتمر واستهدف أحد مطارات موسكو.. إلا أن مؤسس منتدى دافوس ورئيسه التنفيذي، كلاوس شواب، كان أكثر تركيزًا على الوضع الاقتصادي العالمي وقال في كلمته الافتتاحية: إن اجتماعات هذا العام ستُركِّز على الواقع الاقتصادي الجديد، حيث كان قد ذكر أن «الرأسمالية بشكلها الحالي غير ملائمة لعالمنا المعاصر».. وأشار إلى أن خريطة القوى الاقتصادية ربما تشهد تحولًا من الغرب التقليدي القوي كأوروبا والولايات المتحدة إلى الشرق الصاعد كالصين والهند وتايلاند.
لازال الاقتصاد العالمي في غرفة العناية المركزة، وتواصل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها العالم منذ أربع سنوات مراوحة مكانها.. ويعكف الكثيرون على دراسة أبعاد الأزمة الاقتصادية على مستقبل الرأسمالية، التي يوجد إجماع على أنها راحلة بشكلها الحالي، وسيحل محلها وليد جديد لم يعرف شكله ولم تتحدد ملامحه بعد.
الصين تطبق ما يُسمَّى برأسمالية الدولة، وهي تجربة كان الغربيون ينتقدونها وأخذوا الآن يعيدون النظر بشأنها.. وهناك دول أخرى تجمع ما بين النموذج الصيني والرأسمالية الغربية مثل الهند والبرازيل، وتتميز دول الخليج وسنغافورة بنماذج اقتصادية تجمع فيما بين التجربتين الرأسماليتين القائمتين بشكل أو بآخر.. إلا أن الاقتصاديين لا يعتقدون أن أيًا من هذه التجارب هي الشكل المناسب للقرن الواحد والعشرين، ويحاولون السعي لاستنباط نموذج جديد يمكن أن يُزاوج ما بين جميع التجارب الاقتصادية بشكل ناجح.
وقد أفردت مجلة (الأيكونوميست) البريطانية قسمًا كاملًا في عددها الصادر يوم (21) يناير عن رأسمالية الدولة تحت عنوان (صعود رأسمالية الدولة) وتقول بعد استعراض طويل لمختلف أشكال رأسمالية الدولة أكان في الخليج أو الصين أو غيرهما أن انتشار هذا النوع من رأسمالية الدولة في الاقتصادات النامية سيؤدي إلى مشاكل عديدة.. وهي ترى أن بالإمكان أن تكون رأسمالية الدولة مرحلة من مراحل بناء المؤسسات الاقتصادية الكبرى إلا أن ذلك يجب أن يليه تخلي الدولة عن هذه المؤسسات وترك القطاع الخاص ليتولى إدارتها وتنميتها ضمن ضوابط تطبق على الجميع.. فالدولة بتفضيلها مؤسساتها تقلص فرص المؤسسات الخاصة وتُعرّضها للأضرار وتقضي على المبادرات الاقتصادية التي تكون عادة لمصلحة البلاد.. بالإضافة إلى أن الدول التي تقوم بدور رجال الأعمال تسعى لحماية مؤسساتها عبر رفع الحواجز الجمركية التي تضعف قدرة مؤسساتها على التنافس عالميًا.. أما إذا كانت هذه المؤسسات تتمتع بإدارة جيدة بدون حماية الدولة فليطلق لها العنان للمنافسة محليًا وعالميًا.
وكتب جيديون راشمان، كبير المعلقين في مجلة (الفايننشال تايمز) كتابًا عام (2009) حول العلاقة الاقتصادية فيما بين دول العالم نتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية (صدرت نسخة منه في الرابع من فبراير الحالي) يقول فيها: إنه يتوقع أن يسقط نظام التجارة العالمية الحالي، نظرًا لأن الدول ستتجه إلى الحصول على المكاسب الاقتصادية لنفسها وبدون التعاون مع الدول الأخرى، وأن «ما كان جيدًا للصين سينظر إليه على أنه سيئ بالنسبة لأمريكا. وما كان يعتبر جيدًا لألمانيا سيكون سيئًا لإيطاليا وإسبانيا واليونان».. وهو يتوقع أن يغلب منطق جديد في العلاقات الدولية يقوم على أساس الاستئثار بمصادر الطاقة وغيرها لطرف واحد دون الأطراف الأخرى.. أي أن التعاون الذي تدعو له منظمة التجارة العالمية لن يستمر. وأن النظام العالمي الجديد سيشهد سقوط هذه المنظمة.. ويعتبر أن اتجاه أمريكا إلى تكثيف تواجدها في آسيا هو رد فعل لصعود الصين واحتمال أن تصبح أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2018 (كما توقعت مجلة الأيكونوميست).. ويرى أن الصين سترد على هذا التوسع الأمريكي وبقوة.
ما نراه الآن هو مجرد توقعات وتحليلات لمواقف معينة هنا وهناك.. إلا أن هناك مؤشرات جادة على تحول اقتصادي عالمي، وعلى رغبة متزايدة لدى الدول الكبرى في السيطرة على مصادر الطاقة (أي الثروة) في الشرق الأوسط وإفريقيا وغيرهما.. وسنشهد خلال الأعوام القادمة تبلور نظام اقتصادي عالمي جديد لا يمكن الجزم بشكله النهائي من الآن، إلا أننا نرى صراعات للوصول به إلى أوضاع تناسب هذا الطرف أو ذاك.. ومن الضروري لدول الخليج وهي أحد مصادر الطاقة والثروة في العالم أن تدرس الخريطة العالمية الجديدة، وترى إن كان يمكن لها أن تدخل عليها توجهات تخدم مصالحها بقدر خدمتها لمصالح الآخرين.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store