Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

لا زال قرار الحرب والسلام بيد إيران !

أولئك السياسيون والكتاب العرب الذين يقفون مؤيدين لتوجهات إيران العسكرية النووية يخطئون كثيرًا..

A A
أولئك السياسيون والكتاب العرب الذين يقفون مؤيدين لتوجهات إيران العسكرية النووية يخطئون كثيرًا.. إذ إن مواقفهم عاطفية ولا تحمل تحليلًا منطقيًا للأوضاع السياسية في المنطقة، فهم يرون أن موقف إسرائيل المحرض على مهاجمة إيران ووقوف اليمين الأمريكي المتطرف بقوة خلف المواقف الإسرائيلية، يجب أن يدفع العرب إلى أن يتخذوا مواقف مضادة لكل هؤلاء.. ومثل هذا التفكير ليس منطقيًا ولا عمليًا.. بل يجب تقويم الأمر من موقع عربي صرف.
أي عمل عسكري ضد إيران لن يكون حلًا، وليس في مصلحة منطقة الخليج، وعبرت دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، أنها لا تؤيد القيام بحملة عسكرية ضد إيران.. والعرب، المثقفون والسياسيون، الذين يطالبون بحوار عربي إيراني في هذا الأمر مُحقّون في ذلك.. إلا أن هناك حوارًا فعلًا، ولكنه (حوار الطرشان) فيه الكثير من الشعارات ولا محتوى إطلاقًا له.. الحوار المطلوب هو لطمأنة دول الخليج، بشكل خاص، على أن إيران لا تسعى إلى برنامج تسلح نووي يشكل خطرًا على جيرانها، وأنها إذا رغبت في تطوير قدراتها النووية الحالية التي تقول إنها سلمية، فإن الجيران سيكونون شركاء معها بشكل يحقق لهم الطمأنينة والشعور بأن ذلك لن يكون موجهًا ضدهم.. ومثل هذا الحوار لا يجري ولا يتوقع من النظام الحالي في إيران أن يقبل القيام به.
عندما كان رافسنجاني ومحمد خاتمي في منصب رئاسة الجمهورية كان كل منهما منطقيًا إلى حد كبير في علاقاته الخارجية وبخاصة مع دول الخليج، وكان هناك حوار متواصل فيما بين إدارة كل منهما والدول الخليجية.. وكانت هناك نقاط اختلاف ونقاط التقاء فيما بين مختلف الأطراف أي أن إدارة كل منهما لإيران اتسمت إلى حد كبير بالرغبة في التفاهم، لا المجابهة، رغمًا عن أنه كانت هناك معارضة داخلية قوية لكل واحد منهما، من أصحاب المصالح بين رجال الدين الذين يحكمون البلاد.. إلا أن ذلك الجيل من رجال الدين الإيرانيين الذين قدموا مع الخوميني ثم اكتسبوا خبرة وتجربة في الحكم خلال سنين سادتها اضطرابات خارجية وداخلية وحرب طويلة مع العراق.. هذا الجيل تم التمرد عليه وإقصاؤه من السلطة، وفتح المرشد الجديد خامنئي، الذي لم يكن مرتاحًا لرفاقه القدامى، الباب للحرس الثوري وجماعات أكثر تشددًا للتسلل إلى مواقع السلطة، وأصبح من الصعب البحث عن المعتدلين وسط كل الصيحات الثورية ودعوات تصدير الثورة المتصاعدة من مواقع متعددة في دولة رجال الدين الإيرانيين.
من الواضح أن النظام الإيراني غير راغب في التخلي عن تطوير قدراته النووية، وبالمقابل هناك قلق بين دول الجوار الإيراني من أن يؤدي هذا التطوير للقدرات النووية الإيرانية إلى إنتاج أسلحة نووية يستخدمها النظام لفرض هيمنته ومطالبه القومية الثورية على جيرانه.. فما هي المعادلة التي يمكن بها إيجاد توازن فيما بين الموقفين: تطوير القدرات النووية من ناحية وإدخال الطمأنينة في نفوس الجيران من ناحية أخرى؟.. الجواب لدى طهران وليس دول الخليج التي يطلب منها من قبل البعض القبول بإيران بخيرها وشرها، لأنها جار لا يمكن الفرار منه.. وتوجد بعض الشكوك في دول خليجية بأن ما يجري اليوم من تصعيد في التصريحات الإعلامية بين أمريكا وإيران، مع تواصل اللقاءات والمشاورات فيما بين البلدين عبر قنوات سرية، سيؤدي في النهاية إلى صفقة يكون العرب الخاسر الأكبر فيها، وإيران الدولة المستفيدة منها.
وأعتقد أن الوصول إلى صفقة فيما بين واشنطن وطهران، خلال هذا العام، سيكون صعبًا بالنسبة لإدارة أوباما.. إذ إنها سنة انتخابات لا ترغب إدارته في خسارة أوباما لها أكان نتيجة لصفقة سيسعى الجمهوريون إلى التحريض عليه بها، ولا لحرب تشنها إسرائيل لن تكون لها نتائج مرضية على المدى البعيد.
وفي تحليل للواشنطن بوست الأمريكية كتبه (ديفيد اجناتيوس) منذ حوالى أسبوع يقول فيه الكاتب: إن النظام الإيراني الحالي (يخاف ما يختشي) ويشرح قوله هذا بأن النظام الإيراني يغير تصرفاته: «فقط عندما يواجه بقوة ساحقة واحتمالات حرب لا يمكن كسبها. وما عدا ذلك فإنه يسير على حافة الهاوية، ويتوقع أن يتراجع الطرف الآخر». ويأتي الكاتب بعدة أمثلة على ذلك، ويشير إلى أن آية الله خوميني أعلن في يوليو عام 1988 أنه «يتجرع السم» ويوافق على وقف الحرب بين العراق وإيران، وأن قراره هذا جاء بعد ثماني سنوات من حرب ضارية مع العراق، وذلك عندما أطلق الأمريكيون النار من بارجة حربية (قيل حينها أنه حدث بالخطأ) على طائرة مدنية إيرانية وأسقطت في مياه الخليج يوم الثالث من يوليو.. والمثال الآخر هو أن نظام آية الله على خامنئي، المرشد الحالي، أوقف برنامجه النووي بعد غزو الأمريكيين للعراق عام 2003، ووافق في نفس العام على أن يبدأ التفاوض مع الأوروبيين حول برنامجه النووي.. كما أشار الكاتب إلى أن النظام الإيراني تراجع عن تهديداته بإغلاق مضيق هرمز بعد أن أرسلت واشنطن عبر القنوات السرية تحذيرًا قويًا لطهران وأعلن بعدها وزير الخارجية الإيراني، على أكبر صالحي، «أن إيران لم تحاول عبر تاريخها أن تضع أي عراقيل أمام حرية الملاحة في هذا الممر البحري المهم».
النظام الإيراني يناور والأمريكيون يصعدون الضغوط عليه، وما لم تتجه طهران إلى التعاون مع جيرانها المحيطين بالبحيرة الخليجية وتتوقف عن لعب دور الدولة العظمى.. فإن الأحداث القادمة ستكون وبالًا على الإيرانيين أكثر من غيرهم.. وقد يخطئون الحساب حين لا يكون هناك مجال للخطأ.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store