Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مستقبل اليمن بيد اليمنيين.. هل تقبلوا التحدي؟!

لم يكن كافيًا ليواجه الرئيس اليمني (الجديد والمؤقت)، عبدربه منصور هادي، المشاكل الداخلية اليمنية حتى وجد نفسه يواجه لاعبين خارجيين يسعون إلى التأثير على مجريات التطورات القادمة في اليمن لتحقيق مصالحهم

A A
لم يكن كافيًا ليواجه الرئيس اليمني (الجديد والمؤقت)، عبدربه منصور هادي، المشاكل الداخلية اليمنية حتى وجد نفسه يواجه لاعبين خارجيين يسعون إلى التأثير على مجريات التطورات القادمة في اليمن لتحقيق مصالحهم الخاصة، لا المصالح اليمنية.. ومن المؤسف أن اللاعبين الرئيسيين في الحلبة السياسية اليمنية يساهمون في هذا المجال، بل ويسعون إلى تقديم القرابين للقوى الخارجية الراغبة في هدم الكيان اليمني للاستفادة منه لمصالحها الإقليمية.. ومن أبرز اللاعبين الخارجيين، بل وأكثرهم خطرًا، الحرس الثوري الإيراني بأدواته الإيرانية داخل حكومة طهران وبأداته الخارجية عبر حزب الله في لبنان، وأحزاب أخرى في العراق.. (علي سالم البيض، الزعيم الجنوبي الداعي لفصل الجنوب فصلًا كاملًا، يتنقل ما بين بيروت وطهران).
صنعاء العاصمة للدولة اليمنية مدينة مقسمة إلى مناطق تقع تحت سيطرة قوات متعددة ومرصعة بنقاط التفتيش، ويقف داخلها فصيلان عسكريان رئيسيان يتربص كل منهما بالآخر أحدهما قوات الحرس الجمهوري تحت قيادة أحمد علي صالح نجل الرئيس السابق، والآخر جنود الفرقة الأولى المدرعة، المتمردة على الجيش ويقودها علي محسن.. وتتمركز قوات مسلحة أخرى ورجال مليشيا في مناطق متعددة من العاصمة.. وليس من الواضح حتى الآن كيف يمكن أن يُحقِّق عبدربه منصور هادي أهدافه، كما ورد في المبادرة الخليجية، ويجري إصلاحات فعالة في تركيبة الجيش وقوات الأمن وجمع القوات تحت مظلة قيادة موحدة.
الوضع الداخلي في البلاد لا يبعث على التفاؤل إذ استغل الحوثيون الفوضى التي أحدثتها (الثورة) لتثبيت سلطتهم، وأصبحوا يديرون مناطقهم باستقلال عن صنعاء.. وأما الجنوب فإنه يعاني من خليط غير مستقر من الليبراليين الداعين إلى الانفصال والمقاتلين الإسلاميين المتطرفين الذين يسعون إلى استغلال الفوضى لإقامة دولتهم.. ومن اللفت للنظر أن (أنصار الشريعة) يقومون بحملة على اليوتيوب يظهرهم وهم يشقون الطرق ويعيدون إمدادات الكهرباء بالإضافة إلى تطبيق أحكام القصاص بما فيها إعدام أو ذبح من يدانون بالتعاون مع الحكومة اليمنية. وعلى امتداد اليمن لوحظ أن فوز التيارات السلفية في انتخابات البرلمان المصري ومجلس الأمة الكويتي فتح شهية الجماعات السلفية المتطرفة في اليمن، وأعلنت عن نيتها المشاركة في الحياة السياسية بما في ذلك الانتخابات النيابية القادمة المتوقع أن تنظم قبل انتهاء فترة الرئيس الانتقالي عام 2014م، وتكونت تجمعات من هؤلاء مثل «ائتلاف النهضة والتغيير» و»حركة الحرية والبناء السلفية» و»حركة النهضة الإسلامية» و»جمعية الحكمة اليمانية».. وهناك نية معلنة لمراكز الدعوة السلفية وجمعيات الإحسان في صنعاء وعدن ومؤسسة الفرقان الخيرية في الحديدة لتأليف أحزاب سياسية والمشاركة في الانتخابات، وسط جدل داخل هذه الأوساط السلفية المتطرفة التي يعتبر بعضها أن هذه التوجهات هي: «بدعة تناقض الدين الإسلامي ومخالفة لمنهج السلف من الصحابة والتابعين الذين لم يعرف عنهم تأليف تكتلات أو جماعات سياسية أو أحزاب تعتقد بالديمقراطية منهجًا بديلًا من القرآن».. كما أن هذه الجماعات ستواجه معضلة في حل خلافاتها (وهذه يواجهها الإخوان المسلمون والسلفيون المصريون الآن عبر تصدرهم كتابة الدستور المصري الجديد)، وذلك في شأن الحياة الحزبية وتداول السلطة والانتخابات والدولة المدنية والقوانين الوضعية والشرعية الدستورية التعاقدية للدولة الحديثة وحرية العقيدة والمذهب.
ومن الواضح أن هناك توجهين رئيسيّين متعارضين فيما يتعلق بمستقبل اليمن، أحدهما يتمثل في إصرار قوي بالمحافظة على مركزية القرار للبلاد ضمن دستور يحفظ للعاصمة صنعاء مكانها الرئيسي، وبرز هذا التوجه واضحًا من خلال قبول صناع القرار في صنعاء ليكون كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء من أبناء جنوب اليمن توددًا للجنوبيين المطالبين بالانفصال.. والتوجه الآخر يتمثل في أولئك الذين يرون أن مستقبل الجنوب اليمني لا يحتمل أي جدل، بل يجب أن يقبل الجميع بانفصاله وإعادته إلى عهدة أبنائه.
المجتمع الدولي، الممثل بأجهزة أبحاث وإعلام أوروبية وأمريكية، يرى أن معالجة الوضع اليمني يمكن أن يتم بنفس الطريقة التي عولج بها الوضع الصومالي في اللقاء الأخير لأصدقاء الصومال الذي تم في قصر (لانكستر هاوس) ببريطانيا.. حيث تم الاتفاق على دعم والتعاون مع القوى المحلية القبلية أو المناطقية التي تسيطر على أرضها ضمن اتحاد صومالي أشبه بالكونفدرالية (لازال الصوماليون بمساعدة دولية يسعون للوصول إلى صيغة نهائية لهذه الكونفدرالية).. وعلى اليمنيين الذين لديهم الجدية في المشاركة بصناعة مستقبلهم لا رفع الشعارات فحسب.. عليهم الدخول في تكتلات كبيرة وقوية يمكن أن يكون لها صوت قوي حتى يمكن إعادة صياغة دستور يمني جديد يحقق متطلبات مختلف الطوائف اليمنية.
ومن الواضح أنه لا يمكن أن نتوقع عودة اليمن الجنوبي، ولا الحوثيين، إلى حظيرة الدولة بالشكل الذي كانت عليه.. كما أن انفصال هذين الكيانين عن اليمن لا يمكن هو الآخر أن يتم بدون إراقة دماء من جانبي المعادلة اليمنية.. والذين يعتقدون أن النشاط الإيراني الحالي في سبيل دعم الروح الانفصالية للحوثيين وغيرهم هو نشاط يمكن أن يتواصل أو أن يكون فعالًا يعيشون في أوهام كاذبة.. فالنظام الإيراني يبحث عن مكاسب لنفسه ويستخدم اليمنيين الذين أخذوا يتعاونون معه ككباش قرابين يمكن أن يقدمها لمن سيدفع له الثمن المناسب.
الحل اليمني يكمن فعلًا في إدارة لا مركزية وفي صلاحيات أكبر للأقاليم.. وفي توافق على إدارة البلاد بشكل يضمن للمواطن أن يحقق التنمية لإقليمه بدون الحاجة إلى مركزية قرار تؤدي إلى استفادة البعض وشقاء البعض الآخر.. وكل هذا من الضروري أن يكون جزءًا من الدستور الجديد لليمن، وعوضًا عن البحث عن حلول غير عملية فإن الأفضل للجميع أن ينخرطوا في صناعة الحلول الدستورية التي تمكنهم من تحقيق أكبر قدر ممكن من اللامركزية وضمان الكرامة والحرية للمواطن بنصوص دستورية لا يمكن إساءة تفسيرها.. وكلما اقتنع العاملون في المجال السياسي اليمني هذه الأيام بجدوى هذا الأمر، كلما تقلصت احتمالات الخلاف وقويت احتمالات تحقيق معظم أماني كل اليمنيين وسطًا وجنوبًا وشمالًا.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store