Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

تعريب التعليم العلمي قرار سيادي

لا أكتب شفقة على اللغة العربية، فهي لغة قوية ستبقى محفوظة بحفظ الله للقرآن الكريم، بالرغم من أنه لا توجد لغة تتعرض لما تتعرض له اللغة العربية من حملات من الأجنبي لإضعافها، ومن زُهدٍ فيها من أهلها يعود

A A
لا أكتب شفقة على اللغة العربية، فهي لغة قوية ستبقى محفوظة بحفظ الله للقرآن الكريم، بالرغم من أنه لا توجد لغة تتعرض لما تتعرض له اللغة العربية من حملات من الأجنبي لإضعافها، ومن زُهدٍ فيها من أهلها يعود إلى هزيمة حضارية، أو موقف تجاهها من أهلها ممّن درسوا في دول أجنبية ممّن لا تتوغل الهوية بين جوانحهم، أو هم لا يهمهم شأن الهوية، أو ترسيخ العلوم.
اللغة -أي لغة- موضوع سيادي، وقرار الحفاظ عليه قرار سيادي، وخير مثال هو اتفاق أوروبا على الوحدة حتى في لقمة العيش إلاّ اللغة، فكل دولة -مهما صغرت- لم تتنازل عن لغتها، ومن يشك في ذلك ليحضر اجتماعات الاتحاد الأوروبي في بروكسل في مقر الاتحاد الأوروبي.
وتابعت مؤخرًا مؤتمرًا عن اللغة العربية والهوية عُقد في إحدى العواصم العربية، وممّا ذكره أحد المحاضرين أن
د.طه حسين الذي دَرَس في فرنسا، وكان مديرًا للجامعة المصرية لم يكن يحاضر، أو يسمح بالمحاضرة في الجامعة بغير اللغة العربية، مع ما عُرف به من دعوته للثقافة الغربية، وذَكَر في السياق نفسه أن جامعة جزائرية دعت د.محمد أركون لإلقاء محاضرة فيها، فألقاها باللغة الفرنسية، مع أن الجمهور عربي، وهو حال دعاة التغريب، وهو فارق بين جيل النهضة المتشبث بهويته مع حداثة الحضارة الغربية آنذاك، والانبهار بها، وجيل الانهزام الحضاري، أو جيل التغريب، والهزيمة الحضارية أكبر من الهزيمة العسكرية.
واستمعت إلى لقاء إذاعي للدكتور عيد الشمري عميد كلية اللغات في جامعة الملك سعود سابقًا، وهو يتحدث عن عُقم تعليم اللغة الإنجليزية في مدارسنا، وأن الطلاب السعوديين يحفظون قواعد اللغة الإنجليزية، ويحصلون على درجة النجاح، لكن المهارات الباقية (الاستيعاب والقراءة والاستماع والتحدث) لا تمكنهم من التعلم بها، ولذا فإن أهم عقبة أمام طلاب الكليات العلمية في فهم المادة العلمية هو عدم استيعابها، لعدم تمكنهم من اللغة، ولذا دعا د.عيد الشمري إلى تعريب التعليم إذا أرادت الدول العربية أن ترسخ العلم، فالاستيعاب أقوى ما يكون باللغة الأم، وهذا هو قرار اليونسكو أيضًا منذ سنوات لكل اللغات.
الذين يقاومون تعريب التعليم العلمي إذا نوقشوا صرفوا الحديث إلى تعلم اللغة، مع أن تعلم اللغة -أي لغة سواء أكانت لغة مهيمنة ثقافيًّا كاللغة الإنجليزية أم غير مهيمنة- ليس موضع خلاف، فالحديث عن التعليم واستيعاب المادة العلمية، وتمكين العلوم وترسيخها، وليس عن تعلم اللغة فقد يتعلم شخص لغة ليس للتعليم، بل للتثقيف، ثم إن تعريب التعليم لا يعني عدم تعلم اللغات، وبالذات اللغات المهيمنة، ويجب في حالة تعريب التعليم أن تخصص سنة دراسية لتعلم اللغة الإنجليزية، وتفعل هذا إحدى الجامعات الإندونيسية الإسلامية، فهي تخصص السنة الأولى -إلزاميًّا- لدراسة اللغة العربية، ثم تدرس باللغة الإندونيسية.
لن تتقدم بلاد وترسخ فيها العلوم والرياضيات إلاّ إذا درّستها بلغتها، ولم تتأخر اليابان والصين وكوريا وألمانيا، بل تقدمت علميًّا، ولا أظن مدّعيًا يدّعي أن هذه البلدان لا تدرس بلغتها، ولا أن يدعي أنها لا تلزم طلابها بإجادة اللغة الإنجليزية، وبخاصة البلاد الشرقية.
في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عقد الأسبوع الماضي مؤتمر «اللغة العربية ومواكبة العصر»، وأوصى المؤتمرون -وهم 66 باحثًا- بعدة توصيات منها: «أن تتخذ الحكومات العربية قرار التعريب الشامل للعلوم التطبيقية والطبية، تأسيًا باللغات العالمية الحيّة، التي فرضت وجودها، ونقلت العلوم بلغاتها ونجحت في ذلك»، وأشاروا إلى أن ذلك يحتاج لقرار سياسي.
والأمل أن تكون الجامعة الإسلامية المبادرة لذلك، وهي تخطو خطوات تطويرية تاريخية بافتتاح كليات علمية، فالأمل أن تكون لغتها العربية مع إجبار على تعلم اللغة الإنجليزية تعلّم إجادة تمكن من الاستيعاب من اللغات الأخرى، وتبني مركز ترجمة للعلوم، فليس العرب أضعف الشعوب، وليست اللغة العربية أقل اللغات.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store