Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

المعلوم والمجهول في مصر!

مصر تواجه معضلة.. جزء لا يستهان به من مجتمعها يرفض أي شكل من أشكال القانون.. يقولون إنها الثورة، وطبيعة الثورات أن تلغي كل ما سبقها ثم تعيد البناء على مقاسها..

A A
مصر تواجه معضلة.. جزء لا يستهان به من مجتمعها يرفض أي شكل من أشكال القانون.. يقولون إنها الثورة، وطبيعة الثورات أن تلغي كل ما سبقها ثم تعيد البناء على مقاسها.. لا حاجة للقانون، بل يرى البعض أن ترفع المشانق في الساحات (ولا مانع من أن تستبدل بالمقصلة الفرنسية) ويعلق عليها كل من كان مع النظام السابق.. وبالطبع من الصعب فرز ملايين الناس الذين عاشوا خلال الثلاثين سنة الأخيرة في ظل ذلك النظام وتحديد من كان معه أو لم يكن معه، لذا فلا مانع أن ترتكب الأخطاء، وتكسب المشانق بضعة رؤوس إضافية حتى وإن كانت بريئة.. إذ لا يوجد قانون يحدد من هو المذنب أو البريء، فالميدان هو الخصم وهو الحكم أيضًا.
نحن يا سادة شعوب مُتخلِّفة ونُمارس سياسات مُتخلِّفة.. فهل يُعقل أن يَنتخب المصريون في أول انتخابات لهم (منذ حكمهم فرعون) رئيسًا لم يتم تحديد صلاحياته وواجباته والمهام المناطة به.. عشرات الملايين اقترعوا لصاحب أعلى منصب في الدولة (من الناحية الإسمية - أي الرئيس) من غير أن يعرفوا ماذا يمكنه أن يفعل لبلادهم.
الانتخابات الرئاسية ماضية قدمًا، حتى كتابة هذه السطور إن لم تفاجئنا الأحداث في مصر بغير ذلك، وسيشهد المصريون منافسة بين شخصيتين لا تتمتع أي منهما بجاذبية شخصية وينقسم المواطنون انقسامًا حادًا بشأنهما.. أحدهما يمثل الجيش والنظام السابق، على الأقل في نظر المناوئين له، والآخر يمثل حركة الإخوان المسلمين التي ترى أن شعاراتها هي الأفضل لمصر ولكل المصريين.
لا أعتقد أن أحمد شفيق العسكري السابق وقائد سلاح الطيران سيكون حلًا مناسبًا لمصر في الوقت الحاضر، كما أن محمد مرسي، المهندس خريج كاليفورنيا، لن يكون هو الآخر المخرج المطلوب للجمهورية المصرية الثانية.. إلا أنه لا بديل لمصر عن واحد منهما (ليت أحدهما كان حمدين صباحي).. الباحثين عن الاستقرار سيسعون للاقتراع لأحمد شفيق، مع أنه لا يوجد أي ضمان لأن يحقق فوزه بالرئاسة الاستقرار المطلوب لمصر.. بينما سيقترع الراغبون في التغيير لمحمد مرسي.. وسيتحقق به تغيير وإن كان لن يعرف مداه واتجاهه هذا إلا بعد فترة من الزمن، وقد تكون قصيرة.
مصر بحاجة إلى إقامة دولة تنتشلها مما هي فيه من فوضى، وتقوم بترميم اقتصادها الذي شهد تقلص الاحتياطي النقدي إلى ثلث ما كان عليه قبل أحداث (ربيع) ميدان التحرير منذ حوالي ستة عشر شهرًا، ومعالجة البطالة المتفاقمة والعجز الضخم في ميزانية الدولة والذي أدى إلى رفع الفائدة على الودائع إلى سبعة عشر بالمائة وأكثر من ذلك على الاقتراض، والنظر في كيفية معالجة التضخم في موظفي الدولة الستة ملايين، وإعادة تنظيم الأجهزة الأمنية المتعددة التي نمت خلال ستين سنة من حكم العسكر.
إذا نجح ممثل الإخوان المسلمين بكرسي الرئاسة، فإن الدستور القادم سيتم تفصيله على مقاس الجالس على هذا الكرسي، فلدى حركة الإخوان ما يكفي من الكراسي البرلمانية لعمل ذلك..
ويمكنهم حينها، إما أن يجعلوا الرئيس القادم فرعونًا آخرًا، أو أن يحولوا الدولة إلى ديمقراطية حقيقية يتم بها تداول السلطة بشكل فعلي وملموس عبر صناديق الاقتراع.. كما أن هناك احتمالًا ثالثًا يُردّده البعض بالقول أنه ربما يصاغ الدستور بشكل يضمن لمرشد الإخوان دورًا أقرب ما يكون إلى الدور الذي يمارسه مرشد الثورة الإيرانية في طهران.. وإن كنت ممن يرون أن مثل هذا الاحتمال سيكون صعب التحقيق بشكل كبير في دولة مثل مصر حيث يتواجد الأزهر.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store