لا أحد يُنكر أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمبدأ من مبادئ الدين الإسلامي ، ولكن بعض الممارسات التطبيقية له على أرض الواقع شابها ما شابها من سلبيات لا تعود – حتماً – للمبدأ بل هي افرازات لفهم قاصر من بعض القائمين على تنفيذه ، إضافة إلى منحهم صلاحيات واسعة خولت لهم تجاوز الخطوط الحمراء في الكثير من جولاتهم الميدانية ، ناهيك عن سوء الظن المُقدَّم من قبل بعض المُحتسبين على حُسنه عند وقوع حادثة ما .
هذه المساحة من الحرية غير المُقيَّدة للهيئة وإن كنا بين الفينة والأخرى نسمع كبار مسئوليها يعلنون بأنهم قاموا بتقنينها ، وتحجيم الكثير من تجاوزات منسوبيها ، إلا أن الواقع يخالف هذا ، مما يعني أن خط الاتصال من الأعلى إلى الأسفل غير فاعل ، وهذا خللٌ إداري يجب إعادة النظر فيه وإيجاد حل عملي وسريع له ، وما الحوادث المتكررة والمُفجعة احيانا التي يكون فيها بعض رجال الهيئة طرفاً أساسياً إلا شاهد إثبات على حجم التعدي للصلاحيات الممنوحة لجهاز الهيئة على أيدي بعض منسوبيه وأمام مسئوليه.
ولعل حادثة بلجرشي التي راح ضحيتها نفس إنسانية - الأب - ومُهددة أخرى ببتر يدها - الأم - وثالثة بين الحياة والموت - الطفل - أكبر دليل على جسامة الخطأ الذي وقعت فيه دورية الهيئة التي قامت بمطاردة سيارة المجني عليهم دون مُبرر منطقي ، ولا مُسوغ قانوني ، والأدهى والأمَّر في هذه القضية هي معاضدة دورية أمنية في عملية المطاردة ، في الوقت الذي تنص التعليمات المُبلَّغة من كلٍ من الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووزارة الداخلية بمنع هذا السلوك، والاستعاضة عنه بالوسائل التقنية المتمثلة في التبليغ عن السيارة للنقاط المنتشرة على طول الخط ، بحيث يتم معالجة الموقف بشكل عملي ، ودون خسائر في الأرواح والممتلكات ، ولكن يبدو أن المتواجدين في هاتين الدوريتين ضربوا بهذه التعليمات عرض الحائط ، واعتمدوا على ما أملته عليهم ردة فعلهم الذاتية في معالجة الموقف بسطحية فجة ، أدت إلى وقوع هذه الفاجعة التي هزت وجدان الضمائر الحية ، وجعلتها تُنادي – وبصوت مُرتفع – بألاَّ يتوقف عقاب المُتسبب أنى كان عند الجزاء الذي يستحقه ، بقدر ما يجب أن يكون جزاؤه رادعاً له بدايةً ، وعبرة وعظة لغيره من ممارسي العمل الميداني في كل الجهات بألآّ يستغلوا الصلاحيات الممنوحة لهم بشكل خاطئ يُسيء لهم أولاً ، وللجهة التي يعملون فيها ثانياً.
أعلم يقيناً أن سهام النقد ستُوجه لي بجريرة انتقاد جهاز الهيئة ؛ لأن الإشكالية المتواترة لدى الكثير تكمن في أن من يتعرض لجهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فكأنما هو معادٍ للدين في ذاته ، ونسي أو تناسى أن الهيئة جهاز خدمي مثله مثل بقية أجهزة الدولة لا بد وأن يتعرض للتقويم المستمر ، وأنه غير مُنَّزه عن النقد ؛ وأن ما ذكرته لا يمس الدين في ذاته ، لإيماني التام بأنه منهج حياة ، بقدر ما أنتقد الممارسة باسم الدين والمتمثلة في بعض منسوبي الهيئة الذين لم يحسنوا التعامل مع هذه الشعيرة العظيمة التي ينحصر دورها في تطبيق الشريعة الإسلامية في الأسواق العامة وغير ذلك من الأماكن العامة والحيلولة دون وقوع المنكرات الشرعية ، ولعل من المهمة يبرز أن مهمتها ظاهرية دون التدخل في ما وراء ذلك.
Zaer21@gmail.com
حادثة بلجرشي وخلل الممارسات التطبيقية
تاريخ النشر: 15 يوليو 2012 04:44 KSA
لا أحد يُنكر أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمبدأ من مبادئ الدين الإسلامي ، ولكن بعض الممارسات التطبيقية له على أرض الواقع شابها ما شابها من سلبيات لا تعود – حتماً – للمبدأ بل هي افرازات لفهم
A A