Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مَرْزُوقة البَلَويَّة.. التي لم تأكل من دم ابنها

مرزوقة بنت نويزل الوابصيّة البلوية بنت الرجال، التي لم تقبل أن تأكل من دم ابنها مرارة الحاجة، وأنوّه بدءًا أن النسبة الصحيحة لغة أن يُقال "الوابصية البلوية" بالتأنيث، وليس الوابصي البلوي وصفًا للمر

A A

مرزوقة بنت نويزل الوابصيّة البلوية بنت الرجال، التي لم تقبل أن تأكل من دم ابنها مرارة الحاجة، وأنوّه بدءًا أن النسبة الصحيحة لغة أن يُقال "الوابصية البلوية" بالتأنيث، وليس الوابصي البلوي وصفًا للمرأة كما شاع عندنا، ولم يبقَ في عالمنا العربي مَن ينسب إلى القبيلة بالتأنيث للأنثى، والتذكير للذكر إلاَّ سلطنة عُمان حتى في وثائقها الرسمية، وإن كان بعض أهل اللغة أجازوا التذكير عند اتباع اسم المرأة باسم أبيها؛ ليكون الوصف للأب.
مرزوقة هذه العفيفة الشهمة تنازلت عن قاتل ابنها بعد صدور الحكم الشرعي بالقصاص من القاتل، ولم تقبل العروض التي تلقتها بالملايين للعفو عنه، بل أعلنت بشهامة أنها اعتقته لوجه الله، ولن تأخذ ريالاً واحدًا، بالرغم من حاجتها المادية، فلديها ابن صغير في المرحلة المتوسطة، و3 بنات إحداهن تعاني من إعاقة ولا تتحرك إلاّ على كرسي متحرك، ويظهر ممّا نشر من أخبار أن والد الأسرة متوفى.
هذه العربية ذات الأنفة بنت الكرام من الرجال، ذكّرتني بما قرأته عن جدات لها من قبائل الحجاز ذكرهن الرحالة ريتشارد بيرتون في رحلته (رحلة بيرتون إلى مصر والحجاز سنة 1853م 1269هـ، ونصه عمّن يأخذ الدية من الرجال والنساء، ويظل يتلقى مال الدية، وهو يحس بالخجل، واذا كانت الدية (ثمن الدم) تُقدم لامرأة عجوز، فإنها سوف تلقيها على الأرض، وسوف تشحذ سكنها، مُقْسِمَةً بالله بأغلظ الأيمان أنها لن تأكل من دم ابنها، ويلاحظ في هذا الصدد أنهم صنف من البشر مختلف عنا اختلافًا كبيرًا "ترجمة د. عبدالرحمن الشيخ، الشيخ الهيئة المصرية للكتاب 1995م ج2 ص215".
هذه المرأة العفيفة ذات الحاجة المادية لم تغرها الملايين، قدم ابنها أغلى من الملايين، ورأت أسوة بجدات سالفات أنه من المهانة أن تبتلع لقما ذليلة مصدرها دم ابنها، وتلك شيم العرب التي أجبرت (بيرتون) أن يعترف أن العرب صنف يختلف عنهم تمامًا، فالقيم عندهم فوق المادة، ومن قرأ رحلة بيرتون يعرف القيمة العالية لهذه الشهادة لكثرة ما كاله هذا المستشرق لقبائل الحجاز من الشتائم والسباب، ولكن يبدو أن المنصف يغلبه انصافه أحيانًا بالرغم ممّا في صدره من أحقاد، بل لعل عدم وجود هذا القدر العالي من الشيم في أوروبا أجبره على الإنصاف.
فإلى أولئك الذين يتسابقون في أخذ الملايين في عزيز لديهم قُتل خطأ، أو عمدًا حتى كثرت الوجاهات والمساومات، وطلب التبرعات ممّا يخالف قيم العرب وشيمهم، ومنهم من يزعم انه عفا عن القاتل، فالعفو هو في مثل فعل مرزوقة -متّعها الله بالصحة، وزادها عفة- أمّا مَن أخذ مقابلاً فليس بعافٍ حتى الخجل الذي ذكر بيرتون أنه يعتري مَن يأخذ الدية من الرجال لم يعد موجودًا، فهناك من يقول إن دم ابننا ليس بأرخص من دم فلان في دعوة للزيادة عن سابقيه، ومنهم مَن يحدد أجلاً معيّنًا وسيلة للضغط في تحصيل الفداء.
إن المبالغة في افتداء مَن يصدر عليه حكم بالقصاص وصل حدًّا لم يعد مقبولاً، وأدعو ذوي الشهامة من الرجال وما أكثرهم للعمل على إنهاء هذه الصفة التي لا تليق بذوي المروءة، ولهم أسوة في أسلافهم، وقد كانوا فقراء لا يكادون يجدون لقمة العيش، لكنهم أغنياء بتعففهم وشيهم ومكارم أخلاقهم، فلله أولئك الرجال!
فاكس 012389934

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة