كثير من المروجين لخطاب التطبيع مع العدو الصهيوني، يزعمون بأن الالتزام بدعم القضية الفلسطينية هو الذي عطل مسيرة التنمية في معظم دول الوطن العربي. وهذه ضلالة كبيرة ومغالطة عظيمة من عدة نواحٍ.
الناحية الأولى هي أن العرب لم ينفقوا في حروبهم مع إسرائيل عشر معشار ما أنفقوه في الحروب التي خاضوها ضد بعضهم البعض. خذ مثلا حرب الخليج الأولى ثم احتلال الكويت ثم حرب الخليج الثانية.. وخذ عندك أيضا حروب الصحراء الكبرى، والحرب الأهلية في لبنان، والحرب الأهلية في السودان، وحروب اليمن العديدة، والحرب الأهلية في الجزائر، والفتنة التي تحدث في العراق منذ احتلاله قبل حوالي عشر سنوات، والحرب الأردنية الفلسطينية في عام ١٩٧٠. فكر في جميع هذه الحروب وحاول أن تصل إلى الأرقام الفلكية التي تحملتها خزائن الدول العربية بسببها، ثم قارن التكلفة التقريبية لهذه الحروب بحجم الإنفاق العسكري العربي في الحروب ضد إسرائيل، واحكم بنفسك على الفرية التي يروج لها المطبعون والتي ذكرتها في بداية المقال.
من ناحية أخرى، فإن تحميل القضية الفلسطينية وزر تعطيل مسار التنمية مع تجاهل دور الفساد والاستبداد، هو محض افتراء القصد منه تحويل أنظار الناس عن المسببات الحقيقية للاخفاق الذريع على صعيد جميع المجالات التنموية.
من ناحية ثالثة فإن مسار التحرير لا يصطدم مع مسار التنمية بقدر ما يتكامل معه.. فالتنمية غير ممكنة في ظل خضوع المنطقة لهيمنة الأجنبي الذي زرع إسرائيل بهدف ضرب أي مشروع عربي للنهضة.. وطالما بقيت إسرائيل فلن يكون هناك مجال للانخراط في عملية تنموية حقيقية، تهدف إلى تحول دول المنطقة إلى دول منتجة تستخدم ثرواتها الخام بهدف الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي أولا، ثم إلى مرحلة المنافسة في الأسواق العالمية كما فعلت الكثير من القوى الصاعدة في الفترة الأخيرة.
لا تنمية بلا تحرير ولا تحرير بلا تنمية. المساران متداخلان لأبعد الحدود.
التنمية أم التحرير؟
تاريخ النشر: 04 ديسمبر 2012 01:39 KSA
كثير من المروجين لخطاب التطبيع مع العدو الصهيوني، يزعمون بأن الالتزام بدعم القضية الفلسطينية هو الذي عطل مسيرة التنمية في معظم دول الوطن العربي. وهذه ضلالة كبيرة ومغالطة عظيمة من عدة نواحٍ.
A A