مضى على بداية الربيع العربي عامان (2010-2012)م وما زال الترقب والحذر حول مستقبل المنطقة ومصير حلم التغيير لدول الربيع العربي في عالم المجهول مع الاعتراف بأن الذي حصل يُشكِّل نقلة نوعية في حوار السلطة وآلياتها ورأي الشعوب في تسيير شؤون الدول.
والعام الميلادي الجديد يبدأ بتجديد ولاية باراك أوباما الرئيس الأمريكي الذي خيب آمال العرب بمواقفه لجانب الصهيونية العالمية على حساب القضية الفلسطينية، والدوائر الغربية الرئيسية في لندن وباريس وبرلين ليست ببعيدة عما تفعله أمريكا في دعمها للكيان الصهيوني.
بعد التخلص من الأنظمة الاستبدادية في تونس ومصر وليبيا واليمن ظن الكثيرون أن عجلة الإصلاح وُضعت على المسار الصحيح، وأن ممارسات الماضي ذهبت إلى غير رجعة.. ولكن التغيير كما هو معلوم يأخذ فترة من الزمن لكي تترسخ مفاهيمه، ويقبل الجميع -من القاعدة إلى قمة الهرم- بما يتطلبه من التضحيات من أجل تحقيق العدالة واستتباب الأمن والاستقرار.
ودروس التاريخ تعلّمنا بأن الثورات العظيمة -الثورة الفرنسية مثالًا- تمر بمراحل انتقالية وفترة سجال ومنازعات بين قوى الثورة والحرس القديم وتحتاج لحقبة من الزمن حتى تتخلص من رواسب الماضي وترسخ نهجها الذي قامت من أجله، كما أن الصراع على السلطة موضوع أزلي وُجد مع وجود الإنسان على وجه البسيطة، ولكن الممارسات تطوّرت مع مرور الوقت، وابتكار آليات لتنظيم إدارة شؤون المجتمع مثل الشورى والديمقراطية التي أثبتت فعاليتها في تهذيب سلوكيات الصراع.. وتنظيم انتقال السلطة.. وتحديد فترات الولاية.. والشفافية والمحاسبة.. وإحقاق العدل.. وترشيد إنفاق المال العام وحمايته من التعديات في إطار المحافظة على الحقوق، وأداء الواجبات حسبما تنص عليه النظم والدساتير التي تحكم إدارة شؤون الدولة المعنية.
وما تشهده مصر وتونس وليبيا في هذه المرحلة دليل على أن التحولات الكبيرة ستأخذ فترة من الزمن حتى تؤتي أُكلها، ولكن التخوف من الانتكاسات وارد لأن الغرض من الثورات ليس استبدال سلطة مستبدة بأخرى أكثر استبدادًا وتسلطًا على الشعب ومقدراته، والممارسات الديمقراطية تحتاج لفترة زمنية حتى تتجذر وتُرسّخ مفاهيمها في نسيج المجتمع وتصبح عادة وتقليدا من خلال الممارسة اليومية؛ باحترام مبدأ الحقوق والواجبات للجميع.
وباعتراف المراقبين من جميع أنحاء العالم بأن الذي تحقق من وراء ثورات الربيع العربي فاق التوقعات من حيث كسر حاجز الخوف في مجتمعات تقليدية عانت من الاضطهاد فترة طويلة، حتى ظن الكثيرون من المحللين الدوليين أن ذلك الداء عضوي يصعب التخلص منه، ولكن شرارة تونس واعتصام ميدان التحرير في مصر أثبتت أن الشعوب قادرة على التغيير عندما تريد ذلك.
الحالة السورية تبعث على القلق محليًا ودوليًا لأن النظام لم يستفد من تجربة الآخرين، ولم يخرج في الوقت المناسب.. والمعارضة بأطيافها المتنوعة خرجت عن خط الاحتجاجات السلمية وتحول الصراع إلى حرب شاملة بين جماعات مقاومة غير متحدة.. وبين قوات دولة قائمة بعدتها وعتادها، والأطراف لا تدخر أي جهد في سبيل القتل وتدمير المنشآت.. والقلق يزداد من احتمالات التحول إلى صراع مسلح إقليمي دولي؛ تستخدم فيه أسلحة الدمار الشامل بكل مآسيها وآلامها.. ويتحول الحديث عن إرهاصات محدودة الآثار إلى رعب من كوارث سياسية واقتصادية واجتماعية.. كل ذلك من أجل أشخاص فقدوا حس الإنسانية وغلبت عليهم غواية السلطة والهيمنة والرغبات الشخصية وذلك يدل على فشل عقلهم في تدبر السير في الطريق السوي، وتقديم مصالح الأمة على المصالح الشخصية.
والعالم على مشارف العام الثالث وما زالت تداعيات زلزال التغيير السياسي الذي أصاب العالم العربي وإرهاصاته مستمرة والمستقبل ما زال مجهولًا!.
إرهاصات الربيع العربي وما بعد؟!
تاريخ النشر: 13 ديسمبر 2012 01:53 KSA
مضى على بداية الربيع العربي عامان (2010-2012)م وما زال الترقب والحذر حول مستقبل المنطقة ومصير حلم التغيير لدول الربيع العربي في عالم المجهول مع الاعتراف بأن الذي حصل يُشكِّل نقلة نوعية في حوار السلطة
A A