ما يحدث في كل من مصر وتونس من انحراف عن مسار الثورة وأهدافها، ومن قمع للقوى الثورية ومحاولة لإقصائها، هو نتيجة طبيعية لتقدم الشارع على النخبة.
في الثورات العربية لم تكن هناك قيادات يأتم بها الناس ويسيرون على هديها ويتبعون توجهاتها، ما حدث هو العكس تماما. لقد حاولت النخبة السياسية في مصر وتونس السير وراء الشارع وسعت للحاق به، في حين أن الوضع الطبيعي هو أن يلحق الشارع بالنخبة صاحبة الرؤية والمشروع البديل المتكامل، كما حدث في جميع الثورات عبر التاريخ.
حالة الفوضى في مصر وتونس، والإرهاصات التي تشير إلى قيام ديكتاتوريتين جديدتين في البلدين المذكورتين، هما نتيجة طبيعية لفراغ الساحة من الأحزاب والتكتلات القادرة على التعبير عن تطلعات الشارع. لقد استغلت القوى والتيارات ذات الرؤى الأحادية والتوجهات الاقصائية، حالة الفوضى التي سادت البلدين نتيجة غياب النخبة التي لم يكن لها دور حقيقي في إشعال الثورتين، والتي لم تستطع أن تعبر عن نفسها من خلال كيانات أو أحزاب سياسية أو ائتلافات وطنية طوال المرحلة الانتقالية. وباستثناء تيار الدكتور محمد البرادعي مؤسس حزب الدستور الذي اتخذ مواقف واضحة وصارمة قبل اندلاع الثورة وأثناء المرحلة الانتقالية، فإن جميع التيارات الأخرى انجرت وراء لعبة سياسية غير قائمة على أسس سليمة، فقبلت بمبدأ الانتخابات قبل الدستور في تصرف شاذ لم يسبق له مثيل في أي مرحلة تاريخية أو في أي مكان من العالم.
الإخوان في كل من مصر وتونس ليسوا مسؤولين وحدهم عن الأوضاع الحالية المؤسفة في البلدين، كما أنهم لن يكونوا مسؤولين وحدهم عما يمكن أن يحدث من تطورات قد يترتب عليها فتن عاتية يمكن أن تحول بين مؤسسات الدولة وبين القيام بجل مهامها، مما سيشكل تهديدا مباشرا لكيان الدولة نفسه. النخبة التي تدعي أنها تمثل الجماهير وتقدم نفسها بوصفها الضمانة الوحيدة للوصول بالثورة إلى مرحلة تحقيق الغايات التي قامت من أجلها، تتحمل قسطاً من المسؤولية لا يقل عن القسط الذي يتحمله الإخوان الذين ركبوا الموجة الثورية لينفردوا بالسلطة وليقيموا دولتهم التي لا تتسع لغيرهم. وهو ما لم يكن ليتحقق للإخوان وحلفائهم لولا الأداء السياسي الساذج للمعارضة التي افتقرت إلى الرؤية، وفشلت على الصعيد التكتيكي، وأصبحت عاجزة تماما عن المبادرة، واكتفت بردود الأفعال دون الأفعال نفسها.
لقد كان أمام المعارضة فترة زمنية بلغت عاما ونصف قبل الانتخابات الرئاسية في مصر، ومع ذلك فإن النخبة السياسية باستثناء تيار البرادعي، فشلت حتى في تكوين حزب أو ائتلاف يمكن أن يمثل واجهة سياسية للقوى الثورية التي حرمت من ممارسة العمل السياسي عبر جهة رسمية تمثلها، فكان ما كان في الانتخابات الرئاسية.
الشارع لا يستطيع أن يقود نفسه، والثورات بلا قيادات لا ينتج عنها سوى الفوضى.
مسؤولية المعارضة
تاريخ النشر: 17 ديسمبر 2012 23:44 KSA
ما يحدث في كل من مصر وتونس من انحراف عن مسار الثورة وأهدافها، ومن قمع للقوى الثورية ومحاولة لإقصائها، هو نتيجة طبيعية لتقدم الشارع على النخبة.
A A