Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الانتكاسة

قلت له وهو يرشف قهوته الأمريكية في ذلك الركن من المقهى: لو ضبطك جماعة العدو الإمبريالى تحتسيها لاتهموك بالعمالة.. رد: سأدعي بأنها قهوة جهادية..

A A
قلت له وهو يرشف قهوته الأمريكية في ذلك الركن من المقهى: لو ضبطك جماعة العدو الإمبريالى تحتسيها لاتهموك بالعمالة.. رد: سأدعي بأنها قهوة جهادية.. ثم أردف: البارحة أدليت بصوتي في الاستفتاء على الدستور، صوّتُ بنعم.. قلت: سيتهمونك بأنك إخواني استحواذي، وربما أيضًا متحالف مع قوى الظلام.. رد: يبدو أن لا مناص من أن يتهم المرء بشيء ما من جهة ما. قرأت الدستور ولم أجد به ما يدعوني لرفضه.. قلت: غالبية الرافضين رفضت لأنها اعتبرته دستور التيار الديني، نكاية وعنادًا وحسب.. بعد رشفات عدة من قهوته قال: دعنا نواصل ما انقطع من حديث المرة الماضية، عن المثال التركي وجماعات المصالح الاقتصادية المتنافسة. لماذا تعتقد أن الإخوان لن يُكرِّروا أخطاء النظام السابق برعاية مصالح رجال الأعمال المتعاونين معهم على حساب تنمية عادلة بريئة من الفساد؟!.. أجبت: هكذا يقدر التيار مدعي العلمانية الأمور، إنها سباق نحو السلطة لكي يحمي حائزها المصالح الاقتصادية لحلفائه، وإلا على ماذا كل هذه الشراسة والغوغائية والفجر في الخصومة. موقفهم لا يرتبط بفكر أو فلسفة إنما بقوى قادرة على التمويل، وشراء الأبواق، مرئية ومقروءة ومسموعة. ستندهش من أن الإخوان رغم شعبيتهم هم الجانب الأضعف في ميزان القوى، أعداؤهم أكثر من أن تحصرهم في رجال الأعمال المتنفذين الذين جمعوا ثرواتهم في ظل النظام السابق، هؤلاء وحسب هم أظهر الأعداء لا أشدهم. ليس للإخوان إلا قناة تلفزيونية واحدة، وجديدة حتى إنها ليست على جهاز استقبالي!، أحتاج لاستقبالها إلى إعادة برمجته، وليس لديهم إلا جريدة واحدة، قارن ذلك بما لدى خصومهم.
عدت إلى الإجابة على سؤاله: حتى تستعمل سلطتك لرعاية مصالح حلفائك الاقتصاديين تحتاج إلى إعادة إنتاج النظام القديم، وهذا لم يعد ممكنًا لا للإخوان ولا لخصومهم ممن يتصورون أن إعادته ممكنة. لا أرى فى انتفاضة يناير إلا أنها مطالبة شعبية جماعية بالتغيير، فإذا ساق الإخوان أو خصومهم التطورات نحو إعادة إنتاج الماضي سيصطدمون بالإرادة الشعبية، التي وإن كانت لا ترى كيفيات التغيير بسبب نكوص النخب عن دورها التنويري، إلا أن مطالبها على تناغم تام مع حركة التاريخ، بمعنى أن سائق التطورات نحو مصلحته الذاتية سيصطدم بقوّتين لا قبل لأحد بهما إن تطابقتا، الإرادة الشعبية وحركة التاريخ.. ثم أردفتُ بعد توقف قصير استرددت خلاله أنفاسي: يضيء لك الموضوع أن تسأل نفسك، لماذا لم يعد حزب العدالة والتنمية التركي صلب النظام القديم بتحالفات جديدة!؟، فبدلًا عن تحالف الكماليين مع جماعة الرأسماليين في اسطنبول، يعيده هو بتحالفه مع جماعتهم فى الأناضول.. سألني ببرود منتبه: لماذا؟.. أجبت: لأن أهداف التغيير كانت كسر ذلك التحالف المريب بين السلطة والمال لا إعادة إنتاجه، كان هذا الهدف في مصلحة طبقة الأناضول البازغة، كما كان في مصلحة جموع الأجراء العاملين، وهو لا يتحقق إلا بالتطابق مع حركة التاريخ، التي لا اتجاه آخر لها إلا تحديث حقيقي، كل ما عدا ذلك انتكاسات قصيرة النفس.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store