(1)
يزيد القرآن الكريم قليلًا على 77 ألف كلمة، ويعني ذلك أنَّه يعادل كتابًا من 300 صفحة تقريبًا. والمتأمَّل لهذا الحجم، لا يتضمَّن، في العادة، الكثير من المعلومات والمعارف والخبرات. وعلى الرّغم من ذلك، فقد أحدث القرآن الكريم تغييرًا هائلًا وجذريًِّا في مسيرة البشريّةِ الفكريِّة والسلوكيِّة، ممَّا يجعلنا نتساءل عن سر الانطلاقة الفكريِّة التي حدثت بعد نزوله. وظاهر الأمر أنّ السرّ لا يكمن في الكم الهائل من المعلومات، لأنَّ مقدار 300 صفحة لا يكفي في العادة لإعطاء إلاَّ القليل من المعلومات؛ والذي نراه أنّ السّر كما يقول المفكر بسام جرار يكمن في المنهجيّة التي يكتسبها كلّ من يتدبَّر القرآن الكريم.
فإذا كان القرآن الكريم قد طوَّر منهجيِّة التَّفكير لدى الصَّحابة والتَّابعين وأتباعهم… فلماذا لا يؤثِّر اليوم في منهجيِّة التَّفكير لدى كثير من المسلمين، على الرّغم من كونهم يتلونه صباح مساء؟!
(2)
عند تَصفُّح أي كتابٍ نجده في الغالب يتسلسل في الفكرة والمعلومة من البداية حتَّى النَّهاية. ويرجع هذا الأمر إلى رغبة الكاتب في إعطاء القارئ المعلومات والخبرات؛ ولكن من يتصفَّح القرآن الكريم يلاحظ أنَّ اكتشاف التَّسلسل يحتاج إلى تفكِّر وتدبِّر، من هنا نجد أنَّ غير العرب يشعرون عند قراءة ترجمة القرآن الكريم بأنَّه غير مترابطٍ في كثير من المواقع، ويرجع هذا إلى أنَّ القرآن الكريم يخالف في صياغته مألوف البشر، ثمَّ إنَّ كلماته المعدودة تحمل المعاني غير المتناهية، ولا ننسى أنَّ إعجاز القرآن الكريم يرجع بالدرجة الأولى إلى لغته، وبيانه وإيجازه…وأنَّ فهمه يحتاج إلى تدبِّر، ويُلحظ أنَّ من يعتاد تدبُّره تنشأ لديه منهجيِّة في التَّفكير والاستنباط، وإذا وُجدت هذه المنهجيِّة أمكن أن يوجد الإنسان المبدع، وكلّ من يتعمَّق في تدبِّر القرآن الكريم ودراسته يلمس التَّرابط بين معاني كلماته، وجُمله، وآياته؛ بل وسوره، ولا يزال علماء التَّفسير يشعرون بحاجتهم إلى التَّعمق أكثر من أجل إبصار معالم البنيان المحكم للألفاظ والجمل القرآنيِّة.
(3)
لدينا لوح من الخشب تمَّ - كما يصف بسام الجرار- وضعه على قاعدة مُدبَّبة، ومن أجل توازنه جعلنا نقطة الارتكاز في مركز لوح الخشب، فإذا قمنا بالضَّغط على نقطة الارتكاز يبقى التَّوازنُ قائمًا، وكلَّما ابتعدنا عن المركز نحتاج إلى التَّخفيف من الضَّغط حتَّى يبقى التَّوازن قائمًا، ولا شكَّ أنَّ أبعد نقطة عن المركز قد لا تحتمل أيّ نوعٍ من الضُّغوط وإلاَّ اختل التَّوازن.
وفي عالم الفكرة إذا قمنا بإعطاء القضايا المركزيِّة والأساسيِّة اهتمامًا أكبر، وقمنا في المقابل بإعطاء القضايا الهامشيِّة اهتمامًا أقل، بحيث يتناسب ذلك مع بعدها عن المركز، نكون بذلك قد أحدثنا توازنًا في التَّعامل مع الأمور المختلفة. أمَّا إذا عاملنا الأمر الهامشي كما نعامل المركزي فإنَّ التَّوازن عندها يختل لصالح الأمور الهامشيِّة.
(3)
.. وخيرًا:
هل الفكر الإسلامي معصوم من الخطأ؟
هل يمكن مراجعة هذا الفكر وانتقاده؟
إذا جازت المراجعة فعلى أي أساس ينبغي أن تتم؟
دعوةٌ للتَّأمُّل
تاريخ النشر: 04 يناير 2013 03:48 KSA
(1)
A A