Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

لا ديمقراطية بلا دولة مدنية

لا يمكن إقامة نظام ديمقراطي في بلد ما، سواء كان هذا النظام يتبنى التوجه الليبرالي الرأسمالي أو الليبرالي الاشتراكي، في ظل وجود شعب ينظر إلى الدولة المدنية بعين الريبة، ويضع الليبرالية ضمن قائمة المصطل

A A
لا يمكن إقامة نظام ديمقراطي في بلد ما، سواء كان هذا النظام يتبنى التوجه الليبرالي الرأسمالي أو الليبرالي الاشتراكي، في ظل وجود شعب ينظر إلى الدولة المدنية بعين الريبة، ويضع الليبرالية ضمن قائمة المصطلحات سيئة السمعة.
النظام الديمقراطي هو التعبير العملي عن مجموعة القيم التي تقوم عليها الدولة المدنية، وتتخذ منها إطارا عاما لتنظيم وضبط الحياة السياسية. بدون هذا الإطار الذي يمثل أرضية قـِيَمية تحظى بالتوافق الاجتماعي، سيتسبب النظام الديمقراطي في إيقاع الفوضى التي لا تهدأ إلا لكي تندلع مجدداً.
التوافق الاجتماعي على مجموعة القيم المؤسسة للدولة المدنية، هو الضمانة الأكيدة لحفظ السلم الأهلي، وهو الوسيلة الوحيدة الكفيلة ببقاء الخلاف السياسي خارج إطار الاقتتال والتخوين والتكفير. وهذا هو السبب في السلاسة التي تميز عملية انتقال السلطة وتداولها بين الأحزاب المختلفة في الدول الديمقراطية.
المجتمع الذي ليس لديه استعداد للقبول بمبادئ الدولة المدنية أو الذي يعاني من اضطراب أو خلل في المفهوم الخاص بها، لا يمكنه أن يقيم نظاماً ديمقراطياً، لأنه يرفض ببساطة أن تكون الأمة هي مصدر السلطات، ولا يقبل بأن تكون المواطنة هي القيمة التي تعلو على كل ما عداها، ولا يسلم بمناهضة التمييز بكافة أشكاله. والديمقراطية بدون توفر العناصر الثلاثة الآنفة الذكر، تتحول إلى نظام فوضوي يؤسس لما يمكن أن يطلق عليه: ديكتاتورية الأغلبية، بما يترتب عليها من محاولات حثيثة تمارسها الأقلية لقلب المعادلة وإقصاء الطرف الآخر من المشهد كلياً.
في العالم كله لم يحدث أن نجحت تجربة ديمقراطية وصمدت واستمرت إلا ضمن إطار الدولة المدنية. وهو ما يؤكد وجود حالة خاصة من الارتباط بين الديمقراطية والدولة المدنية، ناتجة عن حاجة مزدوجة وملحة وتصل إلى درجة الضرورة، بين كل من الطرفين.. فالدولة المدنية تحتاج للديمقراطية لأنها الوسيلة العملية الوحيدة لتجسيد مبادئها على الأرض.. والديمقراطية تحتاج إلى قيم الدولة المدنية لأنها الإطار الوحيد المناسب لممارسة الديمقراطية بصورة آمنة.
الديموقراطية والدولة المدنية توأمان سياميان لا تنفع حتى الجراحة في الفصل بينهما.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store