Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

انقطع نبع الحنان “يا أمي”

لن أنسى الساعة الخامسة من فجر الخميس 5/3/1434هـ (17/1/2013م)، فهي أعظم ساعة ألم وحزن في حياتي، حين هاتفني المستشفى طالبًا مني الحضور، حيث بارحتْ والدتي حياة الممر إلى حياة المقر، ودّعتها الساعة الثامن

A A
لن أنسى الساعة الخامسة من فجر الخميس 5/3/1434هـ (17/1/2013م)، فهي أعظم ساعة ألم وحزن في حياتي، حين هاتفني المستشفى طالبًا مني الحضور، حيث بارحتْ والدتي حياة الممر إلى حياة المقر، ودّعتها الساعة الثامنة من مساء الأربعاء، وما كنت أتوقع أنه الوداع الأخير، لقلب طالما خفق بالشفقة عليّ والدعاء لي:
إن الحبيب من الأحباب مختلس
لا يمنع الموت بوابٌ ولا حرس
تلك الساعة أوقفت نداء «يا أمي»، فلن أستطيع بعدها النداء، لقد انقطع النداء، وانقطع كنز الدعاء الذي أحظى به كلما جئت مقبلا رأسها ويدها، حين تسألني عن إخوتي وأولادي فأخبرها بسلامتهم فتقول: «الله يهنيك ويهنيهم»، عندما أقدم إلى المدينة المنورة انطلق إليها قبل أي شيء آخر فأحظى بالسلام وبركة الدعاء، فعسى الله أن يلهم الصبر على مستقبل الأيام، فأي فراق أعظم من فراق الأم، وأي خسارة أكبر من بركة دعائها؟!.
في الساعة الثالثة من عصر ذلك اليوم قبّلت جبهتها القبلة الأخيرة قبل أن يعطي الكفن ذلك الجبين المنير، لتحظى بالصلاة عليها من آلاف المسلمين في مسجد سيد البشر صلى الله عليه وسلم، وفي الساعة الخامسة كان دخولها إلى بقيع الغرقد، وفي أول تربة البقيع دُفنت والدتي وسط قبور سلف صالح مشهورين، وأدعو الله أن تكون من السبعين ألفًا الذين يبعثون من البقيع وجوههم كالقمر ليلة البدر يدخلون الجنة بغير حساب (الطبراني، الكبير برقم 455)، وأن تكون ممن قال فيهم صلى الله عليه وسلم «من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل، فإني أشفع لمن مات بها» (أحمد: برقم 5438).
إن ظني بخالقي لجميل
ليس في مثله تخيب الظنون
ورحم الله عمر رضي الله عنه حين قال: «اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك صلى الله عليه وسلم».
الأم نبع الحنان، تقف الكلمات عاجزة عن وصف ألم فراقها، ومهما سُكب من الدموع فهي لا تساوي دمعة واحدة من دمعات الأم في موقف واحد، ولكن إن كان طعم الموت مرًّا وعلقمًا فإن الصبر وتعزيات الأحباب بلسم، وحسن الختام عزاء، أما الألم فسيبقى كلما تذكرت أني لن أنادي «يا أمي»، وكلمات تذكرت أن كنزًا من الدعاء قد غاب هناك في البقيع بين ملايين المسلمين، ورحم الله أمي وكل من ضمه البقيع وكل من مات مُردِّدًا الشهادتين، والحمد لله رب العالمين.
سقى الله أكناف البقيع من الهنا
سحائب إحسان وعفو وغفران
ففي سفحه قلبي مقيم لأنه
أقام به أهلي وصحبي وإخواني
وشكرًا لكل من شيّع ومن عزّى، حضورًا أو مهاتفة أو مراسلة، في الداخل أو الخارج، وعند المصائب تعرف العواطف الصادقة، فجزاهم الله خيرًا.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store