Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الجهاد الأفغاني: مأساة العقل العربي

تحدثت في مقال الأمس وقبل أمس عن عبثية الثورات والانتفاضات الشعبية وعن النتائج الكارثية التي يمكن أن تؤدي إليها، في ظل عدم وجود أرضية صلبة من الوعي الشعبي.

A A
تحدثت في مقال الأمس وقبل أمس عن عبثية الثورات والانتفاضات الشعبية وعن النتائج الكارثية التي يمكن أن تؤدي إليها، في ظل عدم وجود أرضية صلبة من الوعي الشعبي.
كما أنني حمّلت الأنظمة القمعية التي ثارت ضدها ما تُسمَّى بشعوب الربيع العربي، المسؤولية الأولى في تجهيل الناس وتجريف أرضية الوعي التي يمتلكونها، وتبديد رصيدهم من التراكمات والخبرات التي اكتسبوها من خلال مقاومة المستعمر التي جاءت في جزء منها - وهنا تكمن المفارقة - كنتيجة لحالة التفاعل الحضاري بين المستعمَر والمستعمِر.
لكن تآمر بعض الأنظمة العربية التي ثارت شعوبها ضدها، لم يكن هو السبب الوحيد فيما وصل إليه العقل الجمعي العربي من حالة اتسمت بالدروشة التي تطورت إلى ظاهرة كاسحة بمجرد أن وطأت قدما أول جندي سوفييتي أرض أفغانستان.
لقد تحالفت الولايات المتحدة مع تيارات وجماعات الإسلام السياسي، لسرقة الإسلام العقلاني المتسامح، وإشاعة إسلام متطرف تمكن الأمريكيون من تعبئة القطاع الأوسع من الشعوب العربية للقتال والدعم والتعاطف مع ما يُسمَّى بالجهاد الأفغاني، بوحي من شعاراته وأفكاره المغلقة الدموية. ولقد كان لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية في ذلك الوقت، دوراً كبيراً في إشاعة أخبار عجيبة عن كرامات المجاهدين الذين يفجرون الدبابات السوفييتية بإلقاء التراب عليها، وعن انتشار روائح المسك والعنبر من جثث المحاربين الذين يقضون على يد القوات السوفييتية، وما إلى ذلك من وقائع لم نقرأ لها مثيلا في كتب الحديث أو التاريخ التي روت قصص غزوات الرسول صلى الله عليه وآله والرعيل الأول من أتباعه وصحابته الكرام!
قبل ذلك بحوالى أكثر من نصف عقد من الزمان، كان الرئيس المصري أنور السادات قد أطلق يدي جماعة الإخوان المسلمين لإقصاء خصومه ومنافسيه من الحياة السياسية، ولترويج خطاب ديني استبدل الدروشة بالتنوير، وتمكن من هدم لبنات الحداثة التي وضعها المصريون منذ عهد محمد علي باشا، والتي شارك في وضعها بعض كبار رجال الدين من أمثال رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا. وجميع من سبق وذكرت من أسماء كانوا يتميزون بالأفكار الإصلاحية والمواقف المتشددة والرافضة لأي نوع من أنواع المهادنة مع الاستعمار ومحاولات الهيمنة الغربية.
وعلى المستوى العالمي، قدم الإعلام الأمريكي صورة مثالية للمجاهدين الأفغان الذي كان يطلق عليهم لقب (مقاتلون من أجل الحرية)، كما تمت دعوة جميع رؤساء الفصائل الأفغانية لزيارة البيت الأبيض، حيث استقبلهم الرئيس الأمريكي آنذاك، رونالد ريجان، في أجواء احتفالية طغت عليها مظاهر المودة والحميمية.
لن يتمكن العقل العربي من صناعة التغيير في ظل انتشار هذا الخطاب الديني.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store