Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

جمال البنا.. ماذا لقيتَ من الفتوى؟!

لن أكتب (هلك) كما كتبت بعض وسائل الإعلام في وفاة جمال البنا، فهي تشعر بشماتة، بل سأكتب توفاه الله الذي يتوفى الأنفس، فالموت ملاقٍ كل حي، صالحًا أم غير صالح، (قُلْ إنَّ المَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْ

A A
لن أكتب (هلك) كما كتبت بعض وسائل الإعلام في وفاة جمال البنا، فهي تشعر بشماتة، بل سأكتب توفاه الله الذي يتوفى الأنفس، فالموت ملاقٍ كل حي، صالحًا أم غير صالح، (قُلْ إنَّ المَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة الجمعة/8، وما بينه وبين ربه متروك لرحمة الله، غير أني أدعو الله أن يغفر له ما كان بينه وبينه، وهو غفور رحيم.
أما ما بقي بعد موت الجسم وهو الفتاوى المثيرة التي استفز بها المسلمين؛ فهذه لم تمت، وإن كان تأثيرها لم يكن كبيرًا في حياته، ولن تؤثر كثيرًا بعد موته، لأنه لم تُبْنَ على نص قطعي، ولا دليل اجتهادي يقنع ولو بجزء منها، بل هي ردة فعل لديه أراد بها الإثارة الإعلامية، وإحاطة نفسه بهالة إعلامية فقدها في ضوء الشهرة والهالة الإعلامية لأخيه حسن البنا، ولو سلك غير مسلك الدين لحصل على الشهرة دون أن يهدم ما بينه وبين ربه، وإلا فدين الله لن تؤثر فيه فتوى شاذة، ولا طالب شهرة أو منصب بفتاوى شاذة أو مُرْضِية (بضم فسكون).
كل خبر نشر عن وفاته وصف بأنه صاحب الفتاوى الشاذة أو المثيرة، وشتان بين ذلك ومن خلّد اسمه في التاريخ لفتوى خير أفتاها كالعز بن عبدالسلام، أو لكتاب ورَّثه حتى قُرن باسمه، بل قد يكون الكتاب أشهر من اسمه، فيقال إذا ذكر هو صاحب كتاب كذا، وذلك لما أفاد به الأجيال من علم نافع سطره في كتابه، وشتان بين من يوصف بعد موته بعمل خلّده في الدنيا وله به في الآخرة أجر كبير، فيُقال خالد بن الوليد سيف الله المسلول، ومحمد الفاتح فاتح القسطنطينية، وبين من إذا ذكر اسمه قيل صاحب الفتاوى الشاذة أو المثيرة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والإنسان على نفسه بصيرة في حياته.. والعاقل لا يغريه الإعلام، وهو مغرِ في زماننا، ولا الوظائف وهي كالثوب المستعار ليقول في دين الله بغير الحق المبني على الكتاب والسنة والقواعد الفقهية، والضرورات الشرعية، فقد يرضى عنه صاحب هوى أو قاصد لهدف، ولكن رضا الله هو الرضا، وشتان بين رضا الله ورضا البشر، ولم يكن جمال البنا مؤهلًا للفتوى، ولا غرابة إن صدرت منه تلك الفتاوى أيًا كان دافعها.
لم يقتنع مسلم بأن يمتنع في صيامه عما لذ وطاب من الطعام والشراب في عبادة سرية بينه وبين ربه ليقنعه جمال البنا بأن التدخين غير مفطر، ولن يقتنع مسلم بجواز إمامة المرأة للرجال في الصلاة، وهي -أي الفتوى- من شرر أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، وقد ماتت بعد خفوت نيران ذلك الحدث، ولم تقتنع مسلمة بأن الحجاب الشرعي المتفق عليه (عدا الوجه والكفين) حتى وإن كانت لم تلتزم بالتطبيق، فإذا مات لها قريب ارتدته في العزاء، وإذا صلّت أو دخلت مسجدًا أو حجت أو اعتمرت ارتدت اللباس الشرعي.
لم يقتنع مسلم أو مسلمة أن يكون الطلاق بالتراضي كما أن الزواج بالتراضي، وقد سُبق جمال البنا لذلك حين ألزم حزب حاكم بذلك فلم يستجب له أحد، ولم تقبل ذات خلق ودين أن تقبِّل الرجال أو يقبّلونها.
من يتعرض لثوابت الدين يحظى بالأضواء الإعلامية، وتهرول إليه فضائيات الهدم، ولكنه هدمَ دينه ولم يهدم دين الله، وأسوأ أضواء إعلامية التي تكون بالتعرض لثابت من ثوابت الدين، أو هدم قيمة من قيم الأخلاق. يكسب أصحابها الأضواء والمال والرضا من المنظمات التي تسعى لذلك، وقد تدفع لهم المال، ولكنهم على المستوى الشخصي يخرجون بخسران الدنيا والآخرة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store