Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الوثائق الأهلية ليست مخطوطات

كتبتُ عن موضوع الأراضي الموروثة، وهل يُعدُّ تصرّف الوارث فيها تعديًّا؟ وهل قرار لجنة التعديلات يُعدُّ حكمًا قضائيًّا؟

A A
كتبتُ عن موضوع الأراضي الموروثة، وهل يُعدُّ تصرّف الوارث فيها تعديًّا؟ وهل قرار لجنة التعديلات يُعدُّ حكمًا قضائيًّا؟ وأن الأصل أن يُحال النزاع إلى المحكمة؛ حتى لو كان الطرف الآخر هو البلدية التي لا تعترف بالملكية الموروثة، وتقصر حق الملكية على ما صدر فيه صك حديث بعد إنشاء المحاكم في الوقت الحاضر، أو ما كان بمنحة التي كانت تُسمّى إقطاعًا، وتساءلتُ: هل كان الناس قبل ذلك لا يملكون مساكن، ولا أراضي زراعية؟ وكان من ذلك مقال بعنوان: «فارق بين التعدّي على الأراضي والملكيات الموروثة» نُشر في «المدينة» بتاريخ 27/2/2012م، وكنتُ قد كتبت قبله مقالاً بعنوان: «الأراضي الموروثة محل اختصاص لأصحابها» نُشر في «المدينة» في 16/4/1432هـ الموافق 21/3/2011م.
كانت مناسبة هذا المقال الأخير هو نشر جريدة المدينة في 4/4/1432هـ لمشروع لائحة مراقبة الأراضي الحكومية، وإزالة التعديات التي وافق عليها مجلس الشورى بعد عدة دراسات ومناقشات، استمرت عدة سنوات، ومن ضمن تلك المناقشات ضرورة معالجة موضوع الأراضي الموروثة للمواطنين في ديار القبائل قديمًا، وفي القرى والأرياف، وفي المدن، ومنها ما هو متوارث للعائلات من قرون تمتد إلى العصر الجاهلي، وكانت ملكية تلك الأراضي تثبت للأفراد بين السكان بالاستضافة، وبالوثائق، وبمعرفة الأعيان والشيوخ والشهود الذين يعرفون ذلك، وأن تلك الأرض متوارثة في الأسرة، وإن حصل نزاع فهو بين أفرادها المتوارثين لها، وكانت تلك الخلافات تُحل بقوانين وأعراف متوارثة، وكان قضاة المحاكم الحديثة ينظرون الدعاوى حولها ويسمعون من الشهود قبل إيقاف ذلك، وقصر ثبوت الملكية على حجة الاستحكام أو المنحة.
لقد نصّت لائحة مراقبة الأراضي المقرة من مجلس الشورى في فقرة (ب) من المادة الأولى على أن الأراضي الحكومية هي الأراضي المنفكة عن الملك، أو الاختصاص، وتُعدُّ الأراضي المتوارثة أو المشمولة بوثائق إقطاع محل اختصاص لأصحابها؛ حتى تثبت ملكيتها بصكوك شرعية»، وهذا فيه اعتراف بالأراضي الموروثة، وأنها محل اختصاص لوارثها إلى أن يصدر لها صك وفق الإجراءات الجديدة المنظمة للملكيات، وبهذا يتضح أن هناك فارقًا كبيرًا بين مَن شبك أرضًا وهو ليس وارثًا لها، أو سرى بليل إلى أرض، وبنى فيها وهو ليس ممّن كان أهله يقطنونها، وليس لديه ما يثبتها بالاستفاضة، أو بالوثائق، أو بشهادة الأعيان والشيوخ، وبين آخر تحوي الأرض رفات أجداده، ويشهد له الشهود بحق الملكية.
أمّا لماذا أعيد التذكير بهذا الموضوع فلأن رئيس لجنة مراقبة الأراضي والتعديات في جدة كرر قوله السابق، وهو أنه لا يعترف بالوثائق القديمة التي لها قرون، ولا بأي شيء آخر يثبت الملكية سوى صك حديث أو منحة، بل زاد في تصريحه المنشور يوم 29/3/1434هـ (29/2/2013م) في إحدى الصحف «بعدم اعتداد اللجنة بالمخطوطات القبلية التي لم تحظ باعتراف من المحكمة الشرعية، ولا يوجد بها صك شرعي»، وكلمة مخطوطات هذه مصطلح جديد لعله يريد به الوثائق، والوثائق مصدر لا يلغيه تصريح من يلغي التاريخ، ولا مَن يفرق بين مَن يملك أرضًا على رفات أجداده، ومن جاء معتديًا تحت شعار تجارة الأراضي، ولن يقلل من قيمة القبائل وصف وثائقها بالمخطوطات، فالتاريخ يثبت أملاك أفرادها قبل الصك الحديث أو المنحة، والأمر يستدعي فقط تعميد المحاكم بإصدار وثائق حديثة لا إلغاء الملكية، فتغيّر وسيلة التملك لا يلغي التملك.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store