Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الفراغ

اعتقد البعض بسذاجة أن سقوط النظام القائم في كل دولة من دول ما سُمِّي بالربيع العربي سيُؤدِّي إلى بروز نظام جديد في كل منها.. إلا أن الأمور لن تسير بهذا الشكل.. سقط الرئيس ومعه بضعة من أعوانه..

A A
اعتقد البعض بسذاجة أن سقوط النظام القائم في كل دولة من دول ما سُمِّي بالربيع العربي سيُؤدِّي إلى بروز نظام جديد في كل منها.. إلا أن الأمور لن تسير بهذا الشكل.. سقط الرئيس ومعه بضعة من أعوانه.. وتسبب ذلك في فراغ لا يمكن أن يملأه شخص أو مجموعة خلال وقت قصير.. قد يكون ما جرى عند سقوط الرئيس لم يكن ثورة، ولكن ما يجري الآن في بلاد ما يُسمَّى الربيع العربي يتحول شيئًا فشيئًا ليصبح ثورة.. سقوط النظام السابق وعجز النظام الذي حل محله أطلق شرارة ثورة.
في تونس ومصر عجز الإخوان المسلمون بالرغم مما يتمتعون به من تنظيم قائم على الأرض ساعدهم على كسب مقاعد في الهيئة التشريعية، عجزوا عن السيطرة على البلاد.. الإخوان المسلمون يريدون تمكين جماعتهم من مقاليد الحكم ويسعون إلى إحلالهم محل قيادات الأجهزة المتعددة في الدولة، بما في ذلك الأجهزة الأمنية.. النتيجة أن رجالهم الذين دفعوا بهم إلى مواقع السلطة عجزوا عن إدارة الشؤون التي أوكلت إليهم، بينما الأجهزة القائمة لا تتعاون معهم بانتظار استبدالها وإحلال الموالين للإخوان محلها.. وتسبب كل ذلك في فراغ.
الرئيس المصري غير قادر على إدارة الأزمة القائمة، بل إنه يخلق عبر قراراته غير المدروسة أزمات أخرى يواجهها إما بالتراجع أو غالبًا بالإصرار على الخطأ وعدم الاعتراف بوجود الأزمة.. والنظام الإخواني القائم في تونس دخل في صراع عنيف مع السلفيين والليبراليين في وقت واحد (زملاؤهم في مصر حذوا حذوهم مؤخرًا وفتحوا الباب لصراع مع السلفيين في حزب النور بطرد ممثلهم في الرئاسة من منصبه)، وواصلت تونس الانتقال من أزمة إلى أخرى.. وتواجه ليبيا فوضى تؤثر على أمنها واقتصادها، بينما يسعى الإخوان المسلمين فيها عبر الاستعانة برفاقهم من خارج الحدود لإعادة تنظيم أنفسهم بشكل يتيح لهم مكانة سياسية في ليبيا مشابهة لما حققه الإخوان في مصر وتونس.. ويسعى الإخوان المسلمين إلى لعب دور رئيسي كذلك في سوريا واليمن.
نجاح الإخوان المسلمين في أن يكونوا المستفيد الأول من حركات (الربيع العربي) كان متوقعًا لوجود تنظيمات دعوية وسياسية لهم في كثير من الدول، بما فيها أوروبا وأمريكا، وقدرة هذه التنظيمات الإخوانية الدعوية على استغلال علاقاتها عبر الخدمات التي تقدمها للمواطنين في المساجد وخارجها لخدمة توجهاتها السياسية والفوز في الانتخابات والبروز في المسيرات والتجمعات الجماهيرية.. إلا أن مثل هذه الفائدة لن تكون طويلة الأمد، فالحركات السياسية الأخرى تُنظِّم نفسها الآن لتتمكن من الاستفادة من المرحلة الحالية، حيث تتوفر الحريات والهيئات الأجنبية الراغبة في تدريب وإعداد الكوادر الخاصة للعمل في المجالات السياسية المتنوعة.
عملية التحول السياسي الذي تتعرض له دول (الربيع العربي) لن تكون سريعة، بل إنها ستعبر مراحل متعددة من النجاح والإخفاق في تحقيق النظام الديمقراطي المأمول.. فحركة الإخوان المسلمين، المستفيد الأول مما حدث، تسعى إلى ما أطلق عليه مسمى (التمكين) وإلغاء أو إضعاف الأطراف المعارضة لها، وتقليص الحريات عبر سن أنظمة جديدة تحقق لها ذلك.. إلا أن الشارع أصبح أقوى مما كان عليه والحركات المدنية المتعددة سريعة الحركة وتعمل بديناميكية ثورية تجعل من الصعب تنفيذ أي أنظمة أو قوانين تحد من الحريات.
نحن نشهد عجزًا كبيرًا بهذه الدول في إدارة أزماتها.. حيث إن الإدارة الحالية هناك غير قادرة على السيطرة على الأمور، إما بسبب عدم الخبرة أو نتيجة للرغبة في السيطرة والاستئثار وربما للسببين مجتمعين.. وسوف نشاهد فراغًا سياسيًا متواصلًا خلال السنين القادمة في دول الربيع العربي إلى أن يكتمل بناء منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية الصاعدة.. وقد تواجه هذه الدول أزمات خطيرة تؤدي إلى تمزق الكيان الوطني، خاصة أن نغمات الطائفية والدينية أصبحت تعلو وتكتسب عضلات سياسية وعسكرية في أكثر من دولة.. لذا فنحن ما زلنا ننظر إلى المجهول ونتوقع حتى غير المتوقع أكان سلبًا أو إيجابًا.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store