الإنسانية .. الرابطة الأكثر إنسانية

مهما كبرت مساحة الاختلاف بل وحتى الخلاف بين أبناء الوطن الواحد، فإن مساحة التوافق تظل أكبر بكثير. وهو ما ينطبق على أبناء الدين الواحد والقومية الواحدة أيضا.
المجتمعات الأكثر تحضراً تجاوزت مسائل الاختلاف والخلاف، وركزت على وجوه التشابه والتوافق والاتفاق. وكلما استطاع المجتمع أن يقطع شوطاً في هذا الاتجاه، كلما استطاع أن يرسخ مبادئ السلم الاجتماعي ويصل إلى مرحلة أكبر من التحضر.
التوافق هو معيار تحضر المجتمعات. التوافق لا يعني إلغاء نقاط الاختلاف، لكنه يعني التعايش مع الاختلاف وتقبله بصفته سنة من سنن الوجود.. وهو يعني أيضا مقاومة كل من يريد أن يزيل هذا المبدأ (الاختلاف) من حياة البشر.
هذا هو المفهوم الذي كرسه القرآن الكريم عبر العديد من آياته:((ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين))هود.
هذا التعاطي الراقي مع مسألة الاختلاف هو الذي يجب أن يحكم سلوكياتنا تجاه الاخرين سواء كانوا ينتمون إلى نفس الوطن أو إلى نفس الدين أو حتى إلى الإنسانية بكل ما تحتوي عليه رابطة الانسانية من أوجه شبه واختلاف. المهم أن ننظر إلى التوافق والتشابه باعتباره الأساس، أما كل ما يتعلق بالاختلاف فيدخل ضمن نطاق خيارات الإنسان التي لا يمكن أن يحاسبه على تبنيها سوى الله وحده.
البشر يشبهون بعضهم البعض حد التطابق، فيما لو أزلنا بعض عوامل ومظاهر الاختلاف أو حتى لو أعدنا النظر فيها. في قصته ( الفلاحون ) يصور أنطون تشيخوف معاناة الفلاح الروسي إبان الحقبة القيصرية، فلا تكاد تلحظ خلافات جوهرية بينه وبين الفلاح المصري أو الشامي أو اليوناني أو الصيني. وفي سيرة مكسيم جوركي الذاتية المكونة من ثلاثة أجزاء، تبدو شخصية الجد وكأنها نموذج عام لكل المتعصبين والتقليديين. وفي مسرحية ( الفرافير ) ليوسف إدريس يبدو من الاستحالة تمييز هوية فرفور الكادح الذي يمكن أن ينتمي إلى أي دين أو عرق أو مجتمع، وكذلك الحال مع سيده المترف المتحكم بزمام السلطة.
البشر يشبهون بعضهم البعض أكثر بكثير مما يظنون.