Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

بين التراث والموروث 2 – 3

تحدثت في مقال الأمس عن ضرورة الفصل بين مصطلحي الموروث والتراث، وقلت بأن التراث هو مجموعة الآثار الفكرية والإبداعية التي تمتلك مقومات الحياة، ولا تتعارض مع العصر، ولا تتناقض مع معطيات المعرفة وحقائق ال

A A
تحدثت في مقال الأمس عن ضرورة الفصل بين مصطلحي الموروث والتراث، وقلت بأن التراث هو مجموعة الآثار الفكرية والإبداعية التي تمتلك مقومات الحياة، ولا تتعارض مع العصر، ولا تتناقض مع معطيات المعرفة وحقائق العلم . وفي هذا المجال، فإننا نمتلك ولله الحمد تراثاً عظيماً ما زال قادراً على الحياة والتفاعل مع الأحياء، وتقديم الإضافات الخلاقة للحضارة الإنسانية ، فيما لو تمكنّا من تنقيته من كثير من الشوائب والخرافات والضلالات المعرفية التي اختلطت به.
ما لا يعرفه الكثيرون من الرافضين للحضارة الحديثة بحجة التمسك بالتراث، أن موت الأفكار القائمة على الضلالات وخلود الأفكار والإبداعات التي تمتلك مقومات الحياة والقادرة على إلهام الناس مهما مر عليها الزمن ، هو قانون إلهي ذكره الله في كتابه الكريم: (( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال )) الرعد.
إذن ليست كل الأفكار الموروثة صالحة لأن تكون تراثاً نستلهمه في تفاعلنا مع الحضارة الإنسانية . الأفكار والقيم والإبداعات ذات الوجه الإنساني والتي لا تتناقض مع حقائق العلم أو معايير الجمال ، هي وحدها التي تصلح كتراث ننطلق منه لبناء واقع جديد يليق بنا .إن متابعة الموروث دون مراجعته وإعادة قراءته بهدف العمل على تنقيته من الشوائب والضلالات، هو أحد أهم أسباب الوقوع في الضلالة والتمسك بالخرافة والإصرار على الباطل: (( قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون )) الشعراء.
الولاء الحقيقي للتراث يقتضي امتلاك الجرأة اللازمة لإرسال كل ما أثبت العلم خطأه مما وصلنا من الموروث ، إلى القبر . وهو ما لن يتأتى لنا إذا ما أصررنا على عدم فهم السنة الإلهية التي تقضي بفناء كل ما لا ينفع الناس.
إن الموروث الذي لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، لا يستحق أن يبقى، وبالتالي لا يستحق بأن يُدرج ضمن دائرة التراث. ما يستحق أن يبقى فقط هو كل ما كان يمتلك القدرة الذاتية على الدفاع عن نفسه، أما القدرة المستعارة من سلطة المجتمع أو المؤسسات التي تصنع الرأي، فإنها لا تهب الحياة للأفكار البالية إلا إذا تمكنت من تحويل البشر إلى أموات على قيد الحياة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store