في مرحلة ما في سن المراهقة ورد بخاطري نزغ ُ ُ من الشيطان جعلني أتساءل وأنا أنظر لأبي وهو عائد من وظيفته بوزارة الإعلام.. لِم لَم يكن أبي تاجراً ثرياً واكتفى بوظيفته الحكومية وانكفأ على الكتابة والفن ؟
لقد جاءت الطفرة الأولى وركب موجتها الكثيرون من أقرانه وزملائه في العمل ، منهم من أصبح تاجر عقار ومنهم من اشتغل بالمقاولات بجانب عمله الحكومي (فأهمل العمل ولم يعطه حقه)، ولربما لُمته في نفسي الأمارة بالسوء مع أنه لم يقصر تجاهنا بشيء.
اليوم انقضى على رحيله السنوات السبع، ولقد أدركت بعد رحيله أنه ترك لنا إرثاً كبيراً من العِلم تمثل في مكتبة عظيمة من أمهات الكتب، وإرثاً ثقافياً أفتخر به من أسفارٍ اصطحبنا فيها حول العالم ومتاحفه وصالات الأوبرا وصالونات الشاي في' نايتس بريدج '، وهذا ماكان ليكون لو أنه آثر المكوث في مكانه للادخار والتقتير، والتحف عباءة التجارة أو المقاولات أو كليهما ،ولربما تاجر في التأشيرات يوماً ، وكان له من البنايات خمس أو سبع وأبناؤه جهلة، لاينتمون للحضارة من قريب ولا من بعيد ، لايقرأون ولا يعرفون كيف يجلسون على المائدة مستثمراً في البنيان لا الإنسان.
لم تكن التجارة يوماً عيباً ، ولكن أبي لم يجد نفسه فيها ، ولربما اطلع على شيء في ذلك المناخ السائد وقتها « مناخ العائد بلا جهد « فلم يعجبه ولم يرضه لضميره فجعل لنفسه قدراً وآمن بأن الله خلقنا ليؤدي كلُ ُ رسالته ،وعمل بشيء يحبه وأوقف نفسه ليكون مشروعاً نافعاً كإنسان .. ويرحل حسن الذكر بفضل الله.
قال أحمد شوقي :
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها
فالذكر للإنسان عمرُ ُ ثاني
*بعد وفاته رحمه الله بيومين اتصل بي الدكتور محمود سفر وزير الحج الأسبق معزياً من الخارج وقال لي:» إن أباك لم يؤذ يوماً أحداً وكان عفيفاً كفيف اليد ولا أعلم عنه إلا كل خير « فكانت كلماته بلسماً علينا.
والدي الذي لم يترك الملايين
تاريخ النشر: 09 أبريل 2013 19:54 KSA
في مرحلة ما في سن المراهقة ورد بخاطري نزغ ُ ُ من الشيطان جعلني أتساءل وأنا أنظر لأبي وهو عائد من وظيفته بوزارة الإعلام..
A A