Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

أعطوهم فرصة !!

بصرف النظر عما إذا منحت المعارضة في مصر لنظام الإخوان المسلمين الحاكم فرصة لتجربة طريقة حكمهم، أم لا، فإن حكم الإخوان المسلمين سيستمر للسنين الأربع القادمة على الأقل، ولا معنى لطلب هذه الفرصة..

A A
بصرف النظر عما إذا منحت المعارضة في مصر لنظام الإخوان المسلمين الحاكم فرصة لتجربة طريقة حكمهم، أم لا، فإن حكم الإخوان المسلمين سيستمر للسنين الأربع القادمة على الأقل، ولا معنى لطلب هذه الفرصة.. فالاستقرار لا تُحقّقه المعارضة في أي بلد، بل الحزب الحاكم وقياداته.. وإذا كانت المعارضة تتجاوز القانون والنظام القائم في البلاد فلدى السلطة الحاكمة من الصلاحيات والأدوات ما يجعلها قادرة على الحد من التجاوزات، وتحقيق قدر معقول من الاستقرار.
قضيت الأسبوع الماضي في القاهرة، كزائر، ولاحظتُ كثرة تذمر الإخوة الذين رأيتهم من كل شيء وأي شيء، لكنني لم ألمس فقدانًا للأمن أو لسيطرة الدولة على أمور البلاد.. ما يجعل الناس يتذمرون كثيرًا هو الوضع الاقتصادي المتردي، ولهم الحق في ذلك.. الحكومة المصرية لا تريد أن تُقدِم على أي إصلاحات اقتصادية قد تؤدي إلى خسارة جماعة الإخوان المسلمين الانتخابات البرلمانية القادمة، حتى وإن كانت ستدر على خزينة الدولة عدة ملايين من الدولارات من صندوق النقد الدولي وعدة دول ومن التوفيرات المتوقعة نتيجة للبرنامج الإصلاحي المتوقع أن يتم عبره تقنين الدعم لبعض السلع، وإعادة توجيهه لبعض من مستحقيه.. الإصلاح الاقتصادي كان ضرورة خلال السنين الماضية لكنه أصبح حيويًا الآن.
الجنيه المصري يواصل هبوطه أمام العملات الأخرى، والاحتياطي النقدي للدولة يتقلص يومًا عن يوم، ورفضت الحكومة عرضًا من صندوق النقد الدولي بتسييل الاحتياطي المتوفر لها في الصندوق للتخفيف من أزمتها النقدية.. الحكومة والجماعة اتّبعت حلولًا مبتكرة بعضها علني وبعضها ليس كذلك.. جزء من الحلول كان التسويات المالية التي تتم مع رجال أعمال أو رجال دولة سابقين تجري محاكمتهم أو حوكموا فعلًا، بحيث يدفعوا نصف أو حوالي ذلك من المطالبين بها، ويتم بذلك إسقاط الدعاوى عنهم أو إخراجهم من السجون.. والجزء الآخر كان غريبًا إذ تم اعتقال أحمد قذاف الدم وعدد آخر من المعارضين الليبيين بشكل دراماتيكي حضرته كاميرات التلفزيون وجرى فيه تبادل إطلاق النار وهجوم مسلحين ملثمين، وتلاه في اليوم نفسه إعلان ليبيا عن إيداعها بليوني دولار في البنك المركزي المصري.. واستهدف النائب العام هو الآخر عددًا من كبار المستثمرين الخليجيين وأعلن في وسائل الإعلام عن تجميد أصولهم في البلاد، وقام هؤلاء برفع دعوى عليه أمام المحاكم التي ألغت ما أمر به، وأفرجت عن أموالهم، ولكن بعد أن أصيب الاستثمار الأجنبي في مصر بالضرر، خاصة وأن هؤلاء المستثمرين يمثلون استثمارات بمئات البلايين.
الوضع الاقتصادي بالرغم عن أهميته لم يحصل بعد على الاهتمام الكافي من النظام الحالي في مصر.. الأولوية، كما يبدو، هي لتمكين الحزب الحاكم من مقاليد الأمور بشكل مكتمل ولسنين قادمة، عبر الانتخابات البرلمانية القادمة.. ويسير الرئيس محمد مرسي بحذرٍ شديد في هذا المجال ما بين تحقيق رغبات مكتب الإرشاد التابع للإخوان، والذين أوصلوه إلى منصب الرئاسة، وما بين الالتزامات والتعهدات الصريح منها والذي جرى التلميح به لقوى دولية وعلى رأسها أمريكا.. وبدا واضحًا أنه كان يرسل للقوى الدولية تأكيدات على الاتجاه الذي سوف يسلكه وذلك عندما خطب في حفل جمعية المهندسين مساء السبت الماضي قائلًا إن دولته تقوم على الفصل بين سلطات ثلاث هي التنفيذية والتشريعية والقضائية.
ولتحقيق أهداف الإخوان المسلمين في الحكم حاولوا التحالف ضمن ما أسموه (ائتلاف القوى الإسلامية) وأقوى أطراف هذا الائتلاف حزب (الحرية والعدالة) التابع للإخوان.. ومما يلفت النظر أن حزب (النور) السلفي وضع نفسه مؤخرًا في موقع المعارض داخل مجلس الشورى (البرلمان) وسعى حثيثًا ليكون وسيطًا في الأزمات السياسية فيما بين التجمعات المدنية المعارضة والجماعة الحاكمة.. وحتى الآن فإن (ائتلاف القوى الإسلامية) هو الأكثر قدرة على التنظيم وجمع المؤيدين والناخبين والطرف السياسي الذي تتوفر له أموال كبيرة، وبالرغم من أن هذا الائتلاف لن يدخل كجبهة واحدة في الانتخابات القادمة، إلا أنه القادر على الفوز بالحصة الأكبر من المقاعد البرلمانية، حيث إن الأحزاب والقوى المدنية الأخرى لم تتمكن حتى الآن من تنظيم نفسها، منفردة أو مجتمعة، بشكل يتيح لها الفوز بعدد كبير من المقاعد البرلمانية، خاصة أنها تفتقر إلى الدعم المالي الكافي.
انطباعي بعد زيارة قصيرة للقاهرة أن مصر قادرة على تخطي مصاعبها، إنما المطلوب أن تكتشف القيادة السياسية المتمثلة في الرئيس وحزبه ومكتب الإرشاد للجماعة ما يتوفر لحاكم مصر من قدرات تتمثل في الأنظمة والبشر ما يتيح له إدارة دفة البلاد بكفاءة إن أحسن استخدامها.. وحتى ينجح حكام مصر الجدد في اكتشاف ذلك سيواصل محبو الاستقرار إطلاق صيحتهم «أعطوهم فرصة»..!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store