Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

إلى الخلف.. سر !

تحمس الأمريكيون للأحداث التي أسقطت الأنظمة الحاكمة في دول الربيع العربي اعتقاداً منهم بأنها ستؤدي إلى تحول ديمقراطي في هذه الدول يكون نموذجاً يحتذى، كما أنهم تفاءلوا بصعود الإخوان المسلمين إلى السلطة،

A A
تحمس الأمريكيون للأحداث التي أسقطت الأنظمة الحاكمة في دول الربيع العربي اعتقاداً منهم بأنها ستؤدي إلى تحول ديمقراطي في هذه الدول يكون نموذجاً يحتذى، كما أنهم تفاءلوا بصعود الإخوان المسلمين إلى السلطة، مؤملين أن يتمكن الإخوان من تقليص مخاطر التطرف بين بعض الأوساط الإسلامية.. إلا أن التحول الديمقراطي لم يحدث حتى الآن، وإن كانت أبواب السجون فتحت ليخرج منها المتطرفون المحكومين في جنايات إرهابية، وعاد غيرهم من الهاربين في إيران أو أولئك المحتمين بالدول الغربية، وأصبحوا جزءًا من التركيبة السياسية الجديدة في بلدان الربيع العربي.
وعوضاً عن أن تكون الأنظمة الحاكمة الجديدة داعمة للديمقراطية، فإنها أصبحت تشكل تهديداً متزايداً للحريات المدنية، ووسط شلل أجهزة الأمن الداخلي كالشرطة، برزت لجان أمن خاصة انطلقت تمارس العنف في المدن والقرى وأصبح القصاص أداة يستخدمها الأفراد النافذين نتيجة لإحساسهم بأنه يمكنهم فعل ذلك وتبريره بحماية الجهات التي ينتمون إليها.
الدولة اعتبرها الحكام الجدد هي الجائزة التي من حقهم السيطرة عليها، نتيجة لفوزهم عبر صناديق الاقتراع، لذا فإنهم يشكلون الحكومات كما يريدون ويضعون الدساتير والقوانين التي تناسب مزاجهم وتلبي طموحاتهم، ويسعون لتعيين أعضائهم وأنصارهم في المناصب الحكومية والهيئات التابعة للدولة، بما في ذلك الإعلام والقضاء والتعليم، وشعارهم أنهم أحرار في فعل ذلك حيث وصلوا للسلطة عبر صناديق الاقتراع.. وأدى انشغالهم بهذا الأمر إلى تفاقم البطالة والفقر وتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلدان التي يحكمونها. جماعة الإخوان المسلمين والتي نجحت في الفوز بالحكم بمصر وتونس تكافح من أجل التخلص من عادة العمل تحت الأرض، وخارج نطاق القانون، وليس هذا بالأمــــر السهل.. كما أنها تجد صعوبة في الثقة بأي طرف آخر سوى أعضائها (لوحظ مؤخراً أنها شددت شروط العضوية والالتحاق بها ربما للحد من تسلل غير المرغوب فيهم إليها).. فخلال سنين طويلة كانت الجماعة تعمل في الخفاء وتتعرض للكثير من الإرهاب والخيانة والدس.. إلا أن متطلبات الحكم لا تتيح لها فرصة حتى تتعود على وضعها الجديد وإنما تجد نفسها تجر جراً إلى المواجهة واتخاذ القرارات الصعبة في ظروف صعبة للغاية.
عندما تحمّست أمريكا وأوروبا لتولي الإسلاميين السياسيين السلطة في بلاد الربيع العربي ودعمت هذا التوجه كان تقييمها للإخوان المسلمين أنهم يمثلون الإسلام المعتدل، الذي يتواجد بعض قياداته في أوروبا وأمريكا وتعاملت معهم عدد من الأجهزة هناك خلال عشرات السنين.. إلا أن الشيء الذي لم تتوقعه هذه الأجهزة أن الإخوان المسلمين الذين يعيشون في أوروبا وأمريكا وكذلك بعض الحركات الإسلامية الأخرى لم تتقبل الديمقراطية كما هي مطبقة في الدول الغربية، وأن لها أجندتها الخاصة بهذا الشأن، وأن من يعيشون في الغرب ليسوا القادة الفعليين للحركة، بل أولئك الذين يتعرضون للقمع والسجن داخل بلادهم.. وكان من الطبيعي أن يخرج هؤلاء من السجون ليتولوا السلطة، ويحرصوا على أن لا يتاح لأحد غيرهم الإمساك بمقاليدها التي قد تعيدهم إلى ما كانوا عليه.
مأساة الديمقراطية في دول الربيع العربي لا يمكن أن ترمى بكاملها على الإخوان المسلمين، بل نجد جماعات المعارضة السياسية من الحركات المدنية، ليبرالية وقومية وغيرها، هي الأخرى عاجزة عن فهم الديمقراطية وقواعدها.. إذ لا نرى أي برامج أو سياسات حزبية واضحة لأي من هذه الأطراف، أكان في المجال الاقتصادي أو السياسات العامة الأخرى، في حين أن المنافسة والمعارضة الديمقراطية تقوم على أساس البرامج التي يتم دعوة الناخبين لاختيار الأحزاب والأفراد على أساسها، لا لمجرد الاعتراض على النظام القائم وبيان مساوئه.. كما أن الجميع يجهل كيفية استخدام الوسائل السلمية لخوض المنازعات السياسية، ونجدهم يتحولون إلى العنف بشكل أو آخر في التعبير عن معارضتهم للنظام القائم وسياساته. التطرف الذي أظهره بعض أطياف الإسلام السياسي، وما أدى إليه من أعمال إرهابية في أوروبا وأمريكا، ودعوة بعض آخر منه لتغيير أنظمة الحكم في دول أوروبا مثل النرويج وفرنسا، وتحول بعض هؤلاء إلى مواطنين أوروبيين حيث يقيمون، كان أحد الأسباب الرئيسية الذي دفع أمريكا وأوروبا لتأييد قيام نظام سياسي إسلامي معتدل في دول خرج منها أولئك الجهاديون، على أمل أن تتمكن العملية السياسية الديمقراطية من احتواء الجميع وإشغالهم بشؤون بلدانهم.. إلا أنه عندما يشعر الغرب بأن الأنظمة الجديدة في دول الربيع العربي تكرر ما كان في السابق من استئثار طرف واحد بالسلطة فإنه سيعود عن تأييده ودعمه لها.. ونحن نشاهد هذا الأمر الآن في كل من مصر وتونس.. ومن الواضح أننا أمام تجربة جديدة في هذه الدول، ستتواصل مسيرتها في طريق مليء بالمطبات لن يستقر قبل عدة سنين قد تطول وقد تقصر؛ حسب قدرة القيادات السياسية في هذه البلدان على تعلم الدروس الجديدة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store