Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

حتى يتوقف التقدم إلى الخلف

أثارت حادثة بوسطن القلق منذ الساعات الأولى لحدوثها، إذ أصبحت الأعمال الإرهابية فرصة لتوجيه أصابع الاتهام إلى المسلمين عربًا وعجمًا، وسارعت وسائل الإعلام إلى تسليط الضوء على كل ما يبرز من أخبار تتهم جم

A A
أثارت حادثة بوسطن القلق منذ الساعات الأولى لحدوثها، إذ أصبحت الأعمال الإرهابية فرصة لتوجيه أصابع الاتهام إلى المسلمين عربًا وعجمًا، وسارعت وسائل الإعلام إلى تسليط الضوء على كل ما يبرز من أخبار تتهم جماعات إسلامية بأنها وراء العملية.. من ناحية أخرى تعرضت إحدى القنوات العربية إلى هجوم من عدة جهات لأنها كانت تعرض الأخبار أولًا بأول في محاولة لكسب السبق الإعلامي بدون أن تمتنع عن ذكر ما يردها من تقارير عن احتمال تورط جهات إسلامية.. وعندما سارعت عدد من الدول العربية إلى استنكار الحادث قال صحفيون عرب ان بعض الدول التي استنكرت إنما فعلت ذلك لتبرئة نفسها من احتمال أن يكون القائمون بالتفجيرات ينتمون إليها.
القلق له ما يبرره، واتهام شقيقين من الشيشان بأنهما الفاعلان يؤكد مثل هذا القلق.. وإن كان لم يتضح حتى الآن كيف يمكن لشخصين لا ينتميان إلى أي تنظيم وليس لهما أي نشاط إرهابي، ويعيشان منذ حوالى عشر سنوات في أمريكا، أن ينفذا هذه العملية الإرهابية.. وقد قتل أحدهما وينام الثاني في مستشفى شديد الحراسة غائبًا عن الوعي وقريبًا من الموت أكثر منه للحياة، وبالتالي ستكون المعلومات التي ستظهر مبنية على تقديرات قد تصيب وقد تخطئ.
وعندما اتخذت أحداث (الربيع العربي) اتجاهًا يتم به تتويج الإخوان المسلمين لخلافة الأنظمة التي جرى إسقاطها كانت المبررات التي تبادلها البعض أن التأييد الأمريكي والأوروبي للإخوان وغيرهم من حركات الإسلام السياسي إنما هي لحماية العالم من الشباب الذين يجري غسل عقولهم للقيام بأعمال إرهابية تحت مسمى الجهاد ودفعهم عوضًا عن ذلك إلى معترك الحياة السياسية في بلدانهم وإشغالهم بها وبذا تتبرأ أمريكا وأوروبا من تبعات الأنظمة القمعية، وفي نفس الوقت يجري نشر الديمقراطية في دول الربيع العربي تحت رعاية أمريكية - أوروبية بحيث يتم تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع.. وبالرغم عن أنه لم يمض وقت طويل على النظام السياسي للجماعات الإسلامية في مصر وتونس وليبيا، إلا أن المؤشرات الأولية لا تنبئ بخير لهذه الأوطان ولا تقدم أي مبرر للاعتقاد أن التطرف من قبل جماعات الإسلام السياسي سوف يخبو. بل أن سوريا دخلت مرحلة كشفت فيها القاعدة عن أنها ستكون رابحًا رئيسيًا من الناتج النهائي لهذه المأساة، كما يسعى أفراد من القاعدة وحركات الإسلام السياسي المتطرفة في اليمن لإعداد العدة حتى ينتقلون إلى كراسي الحكم هناك في أقرب فرصة ممكنة، أكان عن طريق صناديق الاقتراع أو باستخدام السلاح خاصة وأنه تتوفر لهم مبالغ مالية كبيرة لا تتوفر لغيرهم مما يمكنهم من تحقيق النجاح في الحالتين.
كان من المؤمل أن يؤدي الربيع العربي إلى نشر الديمقراطية (كما كان الأمر كذلك بالنسبة للأمريكيين الذين احتلوا العراق وأحدثوا فراغًا كبيرًا عبر تفكيك كل مقومات الدولة)، ومن الناحية النظرية فإن انتقال العرب من حال إلى حال آخر أمر مرغوب فيه، ولكن التطبيق لا يبدو أنه سيحقق هذا الأمر، فكما في العراق حيث اعتبرت الجماعات الإسلامية الشيعية أن العراق حق من حقوقها منفردة، واتخذت في الحكم أسلوبا طاردًا للمسلمين السنة وكذلك الأكراد فإن الأنظمة والحركات السياسية الإسلامية في دول الربيع العربي اعتبرت أنها صاحبة الحق الأوحد في حكم بلدانها وكثفت من سعيها لتغيير المناهج الدراسية وفتح القنوات التلفزيونية وزرع رجالها في كل مكان مستهدفة تحقيق تصور للعقيدة بالشكل الذي تراه بطريقة ستؤدي إلى مزيد من التطرف، وانطلقت في مسعى يؤدي إلى وضع ينتج عنه صراع الأديان والمذاهب، ويدفع إلى الانغلاق الفكري، واضطهاد المرأة والأقليات، بل والشك في كل من لا يشاطرهم توجهاتهم.
ولا يمكن تحقيق العودة عن التقدم إلى الخلف الذي يتحقق في دول الربيع غير أن تبرز بين العرب برامج إصلاحية حقيقية فيما يتعلق بالحقوق والواجبات والمواطنة وحقوق الأقليات والمرأة، والاعتراف بنتائج ثورة الاتصالات التي يعيشها شباب العرب هذه الأيام، إذ أن هذا هو الحل الوحيد الذي يبرز لنا هذه الأيام لحماية العرب من مستقبل يمزق فيه بعضهم بعضًا، ويواصلون به إنتاج المضللين فكريًا ومذهبيًا الذين يقتلون أنفسهم وغيرهم.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store